المحروقات اليوم والسوق السوداء …..
رضي المواطنون بـ”همّ” رفع الدعم عن المحروقات للخلاص من فقدان المواد والإذلال بالطوابير على المحطات، والهمّ لم يرضَ بهم. فمادة المازوت ما زالت مفقودة، وكذلك الغاز، وتُباعان بالسوق السوداء بأسعار تزيد بنسبة 15 إلى 20 في المئة عن السعر الرسمي. أما البنزين فمهدد بالانقطاع أيضاً حالما يرفع الدعم بسبب استمرار الخلل في جدول تركيب أسعار المحروقات الذي تصدره وزارة الطاقة.
الجدول الذي حدد سعر مبيع صفيحة المازوت (20 ليتراً) بـ 282500 ليرة، سعّر الطن (1000) ليتر بـ 674 دولاراً. وبعملية حسابية بسيطة يَظهر أن سعر الصفيحة بناء على سعر صرف 21000 ليرة يجب أن يكون 283080 ليرة. هذا قبل إضافة عمولة النقل (262000 لكل 1000 ليتر)، وجعالة المحطة (1200 ليرة على الصفيحة)، وعمولة المصرف على إيداع الدولار لصالح المنشآت بنسبة 1%. إضافة هذه العوامل “تكبد صاحب المحطة دفع 11 الف ليرة من جيبه عند مبيع كل صفيحة بحسب سعر وزارة الطاقة”، بحسب عضو نقابة أصحاب المحطات جورج البراكس. هذا الواقع الذي يشبه “تجارة جحا بالبيض”، دفع التجار إلى التوقف عن استلام وبيع المازوت “فوق الطاولة”. والمضطرون إلى شرائه للتدفئة، ونقل الركاب والبضائع وتشغيل المولدات الخاصة، عليهم تسديد ما بين 350 و400 ألف ليرة ثمناً للصفيحة من تحت الطاولة.
تناقضات التسعير
الخلل في جدول تركيب الأسعار لم يؤدّ إلى عودة السوق السوداء وتحمّل المواطنين ثمناً أعلى بكثير للحصول على المادة فقط، إنما خلق تناقضاً فاضحاً في تسعيرة المولدات الخاصة وتحديد سعر ربطة الخبز. فوزارة الطاقة المسؤولة عن التشوه بجدول تركيب الاسعار حددت سعر مبيع الكيلواط ساعة بـ 5200 ليرة بناء على سعر صفيحة 282500 ليرة. إلا أن عدم تمكن أصحاب المولدات من الحصول على المازوت بالسعر الرسمي دفعهم إلى حل من اثنين: إما مخالفة قرار وزارة الطاقة والتعرض للمحاسبة وإما الالتزام به وبيعهم بخسارة، والحلّان مضرّان بحسب أصحاب المولدات. فكانت النتيجة إطفاء المولدات في كثير من المناطق والأحياء لحين تصحيح الخلل وتسعير الكيلواط بما يتلاءم مع الكلفة التي يدفعها أصحاب المحطات. فـ”تسكير المصالح والجلوس في المنازل أربح”، بحسب رئيس تجمع أصحاب المولدات عبدو سعادة.
أما في ما خص احتساب كلفة المحروقات في صناعة الخبز فينطبق عليها الأمر نفسه. حيث ما تأخذه وزارة الاقتصاد في الحسبان في تحديد سعر ربطة الخبز العربي يخالف السعر الحقيقي الذي تشتري فيه الافران المازوت. الامر الذي يجعل من التسعيرة غير عادلة، بحسب أحد أصحاب الافران، والاضطرار إلى بيعها في الكثير من الأسواق بسعر غير السعر الحقيقي أو عدم ارسالها إلى السوق. وعليه سيتحمل المواطن كلفة إضافية للوصول إلى الفرن لشراء الخبز بالسعر المحدد من قبل الدولة.
إنعكاسات سعر الصرف
خطأ التسعير وانعكاسه على فقدان المحروقات من الأسواق ينسحب أيضاً على الغاز. فسعر مبيع القارورة المحدد بـ 244500 ليرة محتسب على أساس سعر صرف 20485 ليرة فيما السعر تجاوز 21500 ليرة. و”مع كل ارتفاع في سعر الصرف تتوقف المعامل عن التعبئة كي لا تتحمل الخسارة. فتُفقد المادة من الأسواق وتنشط في السوق السوداء حيث وصل سعر القارورة إلى 300 ألف ليرة”، بحسب رئيس “نقابة العاملين والموزعين في قطاع الغاز ومستلزماته”، فريد زينون. وطالما التلاعب بسعر الصرف مستمر طالما المشكلة في قطاع الغاز ستبقى موجودة. وهي ستتضاعف بحسب زينون على أبواب فصل الشتاء “نظراً لحاجة المواطنين وتحديداً سكان السواحل للتدفئة وتأمين المياه الساخنة. حيث تبين الأرقام أن 80 في المئة من المواطنين يعتمدون على مدافئ الغاز، التي تبقى أوفر من المازوت والكهرباء”.
الانتهاء من هذه المشكلة يتطلب اعتماد إحدى الطريقتين: إما تسليم القارورة لمحلات بيع التجزئة بالدولار ورفع عمولة صاحب المحل من 500 ليرة إلى 5000 ليتمكن من بيعها بالليرة إلى المستهلكين، وإما تغيير الأسعار كل يوم بيومه. وبما أن الطريقتين غير عمليتين ومن المستحيل على أصحاب المحلات الموافقة عليها، يقترح زينون “دعم الدولة لمادة الغاز لمدة 3 أشهر أقله لتقطيع الأشهر القاسية من فصل الشتاء. فالاستهلاك اليومي من الغاز يتراوح بين 1200 إلى 1300 طن في اليوم تكلف حوالى 4 ملايين دولار شهرياً و12 مليوناً لمدة 3 أشهر. هذا الرقم يعتبر هزيلاً جداً، برأي زينون، لتوفير أحد الأساسيات الحياتية للمواطنين في فصل الشتاء ولا سيما أن الدعم المباشر عبر البطاقة التمويلية لم يتبلور بعد، وهناك شبه استحالة عند كثير من العائلات لشراء المازوت أو حتى الحطب لتأمين التدفئة في فصل الشتاء.
إذا كان من الواضح عدم قدرة الدولة على الربح في موضوع الدعم وتضييعها مليارات الدولارات هباءً، فانه من غير المفهوم تمسكها بالتسعير على قواعد ملتبسة بعد رفع الدعم. فتدخّلها في السوق يعقّد الامور من دون إضافة أي قيمة تذكر للمواطنين على الصعيد المادي”، يقول أحد المتابعين. بل على العكس فهي تحمّل القطاعات كلفة الشراء من السوق السوداء بأسعار أعلى بكثير”. وبرأيه فان الخوف أن تنسحب هذه الاشكالية على تسعير البنزين بعدما يتوقف مصرف لبنان عن تأمين الدولار. عندها نعود إلى الطوابير على المحطات مع فرق أن السعر الرسمي مضروب بـ3 وسعر الصفيحة في السوق السوداء سيتخطى 500 ألف ليرة.