إقتصاد

شينجن مستقبل الصين

المصدر : النهار العربي

في 26 آب (أغسطس) من عام 1980، وافقت اللجنة الدائمة للمجلس الوطني الخامس لنواب الشعب الصيني، أعلى هيئة تشريعية، على تأسيس المناطق الاقتصادية الخاصة في مدن شينجن وتشوهاي وشانتو في مقاطعة قوانغدونغ ومدينة شيامن في مقاطعة فوجيان.

  ومنذ ذلك الحين، تحولت شينجن من بلدة حدودية صغيرة متخلفة إلى حاضرة دولية لديها تأثير عالمي ويزيد تعدادها السكاني على 13 مليون نسمة.

 

وبعد أربعة عقود من النمو السريع، تأتي شينجن الآن في المرتبة الخامسة بين المدن الآسيوية، من ناحية الناتج المحلي الإجمالي، الذي زاد بمعدل سنوي يبلغ 20.7 في المئة، ليصل إلى 2.7 تريليون يوان (حوالي 400.1 مليار دولار أميركي) في 2019، من 270 مليون يوان عام 1980.

بمناسبة احتفال الصين بالذكرى الأربعين لتأسيس شينجن  Shenzhen كأول منطقة خاصة للإصلاح الاقتصادي، وجدت خلال زياراتي للصين أن الإصلاح والانفتاح فى الصين لا يقتصر على عدد قليل من المناطق الاقتصادية الخاصة والمدن الكبرى، بل هو إصلاح وانفتاح شاملان ممتدان من الشرق إلى الغرب، ومن المناطق الحضرية إلى الأرياف، لذا إن سبب نجاح الصين في حدوث “المعجزات الصينية” واحدة تلو الأخرى، هو القدرة القوية للشعب الصيني على التعلم والتكيف مع البيئة، إضافة الى أن القادة الصينيين حكماء جداً وهم طرحوا فكرة تأسيس المنطقة الاقتصادية الخاصة فى شينجن، الأمر الذي وفّر ضماناً نظامياً صلباً لنهوض الاقتصاد الصيني فى السنوات الـ40 التالية.

 

إن المناطق الاقتصادية الخاصة تعد علامةً تاريخيةً في تاريخ الصين الحديث، باعتبارها أحد نواتج السياسات الصينية الخاصة، كما تُعد علامةً مميزةً لبدء تحول المجتمع الصيني من الاقتصاد الموجه إلى اقتصاد السوق، وانفتاح حقيقي للصين التي ظلت حبيسة لثلاثين عاماً، وبدء سلوكها طريق التنمية العلمي بعدما كانت على شفا الانهيار، خاصة أن الخلفية الاجتماعية والسياسية الصينية في بداية تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح جعلت المناطق الاقتصادية الخاصة هي الطريق الحتمي لتحقيق تحوّل المجتمع الصيني من الاقتصاد الموجّه إلى اقتصاد السوق، وتحقيق التحوّل الشامل للمجتمع ككل، ذلك بجانب كونها الطريق الحتمي لتجاوز ذلك الصراع بين الحلم والواقع، والتقدم نحو طريق تحقيق الاشتراكية ذات الخصائص الصينية الذي يحقق الرخاء للجميع.

 

يرى أستاذا علم الاقتصاد بكلية الاقتصاد جامعة شنجن بالصين تاو إي تاو ولو جه قوه أن شينجن استطاعت تحقيق “المبادرة والتجربة في أربعة مجالات” طبقاً للمخطط الاستراتيجي الوطني للتنمية والإصلاح، وتشمل هذه المجالات الأربعة الآتي: أولاً المبادرة والتجربة في تعميق الإصلاح في الدولة وتوسيع نطاق الانفتاح. ثانياً: المبادرة والتجربة لتصميم نظام يتوافق مع الأعراف الدولية والقواعد والقوانين السارية وتوجهات التنمية المستقبلية في الدولة. ثالثاً: المبادرة والتجربة للابتكار المنظومي الذي يؤثر بصورة كبيرة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في شينجن ويلعب دوراً نموذجياً دافعاً مهماً في الدولة ككل. رابعاً: المبادرة والتجربة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين المناطق المحلية وهونغ كونغ. وهكذا قد بنت المناطق الاقتصادية الخاصة خبرات جديدة بشأن دفع الابتكار المستمر على صعيد إصلاح الأنظمة الإدارية، وعززت ريادة الدولة في تأسيس أنظمة علمية، ومن ثم دفعت تنمية الاشتراكية ذات الخصائص الصينية.

 

تدرك الصين وقيادتها أهمية شينجن وتدرك جيداً أهمية الاستثمار في التكنولوجيا ودخول الصين في رحلة جديدة نحو التحديث الاشتراكيلذا جرى الاحتفال بالذكرى السنوية الـ40 لمنطقةشينجن الاقتصادية الخاصة بحضور الرئيس الصيني شي جين بينغ، حيث أشاد بتطور شينجن على مدى الـ40 عاماً الماضية ووصفه بأنه “معجزة في تاريخ التنمية العالمية”، قائلاً إن تأسيس منطقة شينجن الاقتصادية الخاصة خطوة ابتكارية عظيمة قام بها الحزب الشيوعي الصيني والبلاد في دفع الإصلاح والانفتاح، بالإضافة إلى التحديث الاشتراكي.

 

وحث شي شينجن على تحويل نفسها إلى منطقة تجريبية للاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وأن تضرب مثالاً لمدن دولة اشتراكية حديثة، وتزيد قدرتها على تطبيق فلسفة التنمية الجديدة، وتبني نموذجاً جديداً لتعميق الإصلاح الشامل وتوسيع الانفتاح في جميع الجبهات، وتسهم في بناء منطقة خليج قوانغدونغ – هونغ كونغ – ماكاو الكبرى.

وحث المدينة على تطبيق فلسفة التنمية الجديدة بثبات، وأن تحقق تنمية ذات جودة أعلى، تكون أكثر كفاءة وعدلاً وأكثر استدامة وأمناً، وتحوّل نفسها إلى قائد عالمي في الابتكار التكنولوجي والصناعي.

وشجع الرئيس شينجن على توسيع الانفتاح الشامل، وحث على بذل جهود لتسريع تقدم الانفتاح مع ضمانات مؤسسية، مثل القوانين والقواعد، واكتشاف نظام للسياسات أكثر مرونة ونظام أكثر علمية للإدارة في ما يتعلق بالتجارة المحلية والخارجية، والاستثمار والتمويل، والمالية والضرائب، والابتكار المالي، وخروج والأفراد ودخولهم، مشدداً على تحديث نظام الحوكمة الحضرية في شينجن والقدرة مع الابتكار، وحل المشكلات في الحوكمة الحضرية بعقلية وأساليب سيادة القانون. وعلى التطبيق القوي لفلسفة التنمية المرتكزة على الشعب في إصلاح وتنمية المناطق الاقتصادية الخاصة، وبذل جهود لمواجهة القضايا في المناطق، بما يشمل التوظيف، والتعليم، والرعاية الطبية، والتأمين الاجتماعي، والإسكان، ورعاية كبار السن، والأمن الغذائي، والإيكولوجيا والبيئة، والأمن العام.

 

كنا نسمع عن الصين أنها ثاني اقتصاد في العالم وعن الحلم الصيني، ولكن عندما تشاهد بأم العين شبكة الطرق والأنفاق والجسور والقطارات السريعة والمترو والمطارات والموانئ والتطور التكنولوجي والمناطق الاقتصادية الحرة الخاصة، كل هذا في سبيل خدمة المواطن والتجارة والاقتصاد، لا يمكن أن تضل الطريق. طريق الحرير الجديد أصبح واقعاً وليس علينا إلا ركوب القطار كي لا يفوتنا.

*رئيس “طريق الحوار اللبناني الصيني .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى