في وداع لبنان
سأخــونكَ يا وطني،أضع مع الشرفاء نقطة على سطر تاريخنا،لبنان إنتهى،الهاوية تتسِّعْ،الرؤية ضبابية عمياء،لا بارقة أمـــل،الطوائف والمذاهب قضتْ على لبنان،ولا تريد دفنه،ومن ما أحد على إستعداد لوراثة هذه التركة المزمنة.
نعم كان ذلك متوقعًا،شياطين الطوائف عاثتْ بالتجربة اللبنانية المتهالكة ،مرّة تلوَ المرة،أو ّاذا جاز التعبير منذ زمن بعيد،ومنعتْ عنه العافية الوطنية…لم يكُن وطنًا هذا الكيان بل ملجأً مفترضًا،وأضحى مغارة للصوص السياسة المأجورين وفقهاء التبرير وأبالسة المال وعصابات النهب المنّظمة على طريقة “المافيا”… ولا مرّة كان لبنان وطنًا بل مزرعة ولا مرّة كان سكانه مواطنين بل مجموعات متناحرة بفعل ساسة ينتهجون الكيدية السياسية والعار السياسي،ولا مرّة كان وطنًا متقدمًا بل وطنًا يتراجع دوره على كل المستويات المحلية والإقليمية والدولية… بلغ من العمر الإستقلالي الرمزي ما يُقارب المئة عام وعاش لقيطًا على أيدي طوائف سامّة وطائفيين إستغلاليين متمّرسين بألاعيب معيبة وعلنية وبلا خجل ووجل…
حَلِمنا مرارًا أن يُصبح لبنان دولة رائدة بين الأمم،وطنًا لكل أبنائه،مأوى مناسب لشعبه فشلنا وكان الفشل ذريعًا. حَلِمنا بديمقراطية مقبولة معترف بها وفق العلم السياسي،إغتصبوها بما إتفقوا على تسميته”التوافقية” فكانت النفاق بحد ذاته…دربّونا على التعصُّبْ وعلى التكاذب والتحايل،قضوا على كل فكر نيِّرْ قضوا على فكرة “المدنيّة –الحرية – المساءلة – المحاسبة – القضاء النزّيه – الإنفاق المدروس والمُقونن – التربية الوطنية الصادقة لا العمالة “، إلى العديد من صفات المواطنة الصادقة… عباقرة في إرتكاب الجرائم السياسية إنتزعــــــــــــوا منّا كل ما يمُتْ إلى الفعل الجميل والإنساني والإجتماعي والإنمائي والوطني الصرف… أقاموا لنا زرائب حيوانية فتحوّل الكثيرون لقطعان طائفية هائجة في ساحة “التيرو”…
الغريب جدًا أنهم يعرفون ما نعرفه عنهم ولا يُبالون،يعرفون رأينا فيهم علنًا،يعرفون أننا ندرك تمامًا سياسة نهبهم وسرقاتهم لموارد الدولة،نعرف إنتمائاتهم وعقولهم العفنة الجهنمية وخياناتهم السياسية الوطنية…إنهم على طريق إرتكاب المعصيات والزنى السياسي والناس بعضهم يمشي خلفهم كالغنم وهم المستفيدون القلّة ويتحكمّون بواسطتهم بمنطق القرار بل يجوز القول يُصادرون الرأي العام بواسطة حفنة من الناس مأجورين… زعمـــــــــــــاء دجّالون كذبة ماهرون مُبدعين في الكذب والتكاذب وممثلون يُجيدون الخيانة ببراءة العاهرة الكاذبة التي تُكذّب فعلها العاهر .
صدف أنْ وُجِدَ في هذه الجغرافية الملعونة أناس يؤمنون بوطن حاولوا،تعرّضوا للإعتقالات التعسفية وللأحكام الجائرة،فشلوا صمدوا ثم تبدّدوا،رغبوا ثم خابـــوا تأملـوا ولكنهم لن ييأسوا. أغلبية الشعب اللبناني تتألف من أقليات متنازعة هؤلاء لا يصنعون ثورة لا بل يكتفون بالإعلان عنها شفهيًا… لا أحزاب علمانية وديمقراطية وفكرية،أحزاب لغتها خشبية إنتقائية إستسلامية إنتهازية تبيع وتشتري وترهن…لا نقابات البتة نقابات غُبّ الطلب وتابعة لهذا الزعيم أو غيره تُحرك وفقًا للحاجة،هياكل عظام عفنة لا روح ولا أصحاب لها.
أرشدونا إلى جسمٍ سليم في هذا الكيان السقيم،لا أمل في الأفق القريب كل الأمور حالة السواد وألوانها تعمي البصر وتُطفىء القلوب،وبعد كل ذلك ما العمل؟ لم يبق لنا سوى الخيانة… نعم الخيانة علينا الوصول إلى القطيعة التامة مع هذا النظام المسخ هذا الكيان اللاغي لوطن الإنسان والإبداع هذا الوطن الذي يمتنع عن الحضور الفاعل بين الأمم. بكل موضوعية أعلن خيانتي لهذا ال لبنان المسخ.أحببناه فكرهنا، قدّموه نحو الطائفية فتشبث بها فعلنا ما نستطيع ولو قليلاً…لكنه تجنّبنا فشرّدنا … الشعب اللبناني يملك من الذكاء والعلم والعبقرية الكثير ولكنه محكوم بعصابات متأصلة في الغزو الفكري والفتك والبقاء وإحاطة مواقعها بإتباع أحقر من التعصب والطائفية والكراهية،ويتبارون في إرتكاب الزنى السياسي في فراش الحكم الفاسق وغالبًا ما يُمارسون الزنى السياسي في المحافل الدينية.
غدًا سيموت اللبنانيّون قهرًا وجوعًا وفقرًا وعــوزًا ومرضًا لم يبق لسكان هذا الكيان رغيف خبز بسعر عرق الجبين،لا دواءغدًا. الإفلاس الذي إرتكبه الحكام قديمًا وحديثًا هو نتيجة طبيعية لتراخي الناس ومسامحتهم لزعمائهم.إنهم متهمون بخيانة أنفسهم لصالح مقاماتهم السياسية والمذهبية … الكيان الموروث من الإستعمار شبهه مغارة لصوص،فشل المستعمرون في صلاحه،حاولت فرنسا فكانت النتيجة خائبة فشلت بسرعة…كيان مُشلّع بين محاور هذا الأم جديدًا، كل أيامه تتوّزع الولاءات فيه لا شيء يجمع سوى السرقة والمصالح الخاصة
هل من إصلاح؟سؤال سخيف ليس في محله من سيقوم بهذه المهمة؟ الشعب؟أين هو؟الأزلام،لقد قاموا بمهمة تدمير الوطن… عبث لا حل أبـــدًا ، لا في الأفق المنظور ولا مستقبليًا… نحبك يا لبنان ، لبنان الذي حلمنا به وطنًا عملاقًا وطنًا مرجعًا بين الأمم… نكرهك يا لبنان صنيعة اللصوص وأفضل ما نقوم به هو خيانة هذا ال لبنان ،على أمل ربما مستحيل بولادة لبنان آخر في زمن غير معروف على يـــــــــــــــــد العمالقة.
لقد إنتهى لبنان ، مات جثته هامــــــــــــــــدة ، ما من أحد مؤهل لدفنه أو لإحيائه…
وعليه سأخونـــك يا بلدي الحبيب ، وفي عينيَّ دموع ، وفي قلبي غصّة ، وفي أفقي عتمة …
اللعنة ثم اللعنة ، على من قتل لبنان الذي حَلِمنا به وطنًا وحوّلوه إلى مبغى للدعارة السياسية .
فــــــــــــــــــــوداعًا يا لبنان .
الدكتور جيلبير المجبِّرْ
فرنسا في 16 أذار 2022