أخبار إجتماعيةسياسة

بقلم : رمزي سليم كرامة الانسان .. قبل كرامة الإيمان

إن السلام العالمي، أو السلام على الأرض، هو مفهوم الحالة المثالية للسعادة والحرية والسلام داخل وبين جميع الشعوب والأمم علي الأرض. وهذه الفكرة المتمثلة بعدم وجود عنف في العالم هي أحد الدوافع التي تحفز الشعوب والأمم علي التعاون طوعًا، وبمحض إرادتها أو بحكم نظام الحكم الذي يعترض علي حلها بالمحبة والسلام. فالثقافات والديانات والفلسفات والمنظمات لكل منها مفهومه الخاص عن كيفية إحلال السلام في العالم.

والهدف المعلن لمختلف المنظمات الدينية والعلمانية هو تحقيق السلام العالمي من خلال حقوق الإنسان، والتكنولوجيا، والتعليم، والهندسة، والطب، والدبلوماسية المستخدمة لإنهاء جميع اشكال القتال. ومنذ عام 1945، تعمل الأمم المتحدة والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع لها (أمريكا وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا) بهدف حل الصراعات بدون حرب. ومع ذلك، دخلت الدول في العديد من الصراعات العسكرية.

بعد الحرب العالمية الثانية، أنشئت الأمم المتحدة بموجب ميثاق الأمم المتحدة “لإنقاذ الأجيال المتعاقبة من ويلات الحرب التي جلبت مرتين في حياتنا حزنا لا يوصف للجنس البشري” (الديباجة). تهدف ديباجة ميثاق الأمم المتحدة أيضا إلى تعزيز اعتماد حقوق الإنسان الأساسية، واحترام الالتزامات بمصادر القانون الدولي وتوحيد قوة البلدان المستقلة من أجل الحفاظ على السلم والأمن الدوليين . جميع المعاهدات المتعلقة بالقانون الدولي لحقوق الإنسان الإشارة إلى “المبادئ المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة أو النظر فيها” ، والاعتراف بالكرامة المتأصلة والحقوق المتساوية وغير القابلة للتصرف لجميع أفراد الأسرة البشرية هي أساس الحرية والعدالة و “السلام في العالم.

تعالت أصوات التطرف واختلطت المفاهيم الدينية وحرفت من قبل الجماعات المتطرفة والمتشددة، وأصبح الدين وسيلة متاجرة بأيدي المتطرفين ومدعي العلم الشرعي، وصارت الفتوى وسيلة للفتك بالأرواح واستباحة الدماء والخراب والتدمير وإشعال الحروب في العالم بدثار عباءة الدين، لكن في المقابل وجدنا صوتاً يقبل مسرعاً بحكمة واعتدال، ينادي بالسلام والتسامح والتعايش. مؤكداً “أن الأديان مصدر للسلام والوئام بين البشرية”، وأحيى وثيقة تاريخية هي “صحيفة المدينة” التي تدعو إلى المواطنة الشاملة والتعايش والاندماج بين بني البشر، ويطلق على غرارها هذا الرجل العالم الفذ “إعلان مراكش التاريخي” حول حقوق الأقليات في الديار الإسلامية، الذي أدهش العالم بأفكاره ونصوصه وخلاصاته العبقرية وإشراقاته الإنسانية، بكل بساطة هو العالم الجليل الشيخ عبدالله بن بيه رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، صاحب الإشراقات العلمية والمعرفية التي أعلت من قيمة الإنسان؛ حيث أكد بملء الصوت، في هذا الزمن، أن “كرامة الإنسان قبل كرامة الإيمان”، وجهر بإعلان المصالحة مع الفلسفة والعقل والانفتاح على علوم العصر، وحينذاك صدم غلاة المنغلقين من المتشددين والإرهابيين ومن التفَّ حولهم، خصوصاً عندما قال خلال إطلاقه “برنامج إعداد العلماء الإماراتيين الشباب” الذي يشرف عليه بنفسه عام 2016: نريد علماء على “وزن ابن رشد الحفيد والمازري”.

كما أطلق مشروعا مهما في “تجديد الخطاب الإسلامي”، يقوم على تأصيل ثقافة السلم في الإسلام باعتباره مقدماً في فلسفة الإسلام وعقائد الإيمان؛ إذ أن الحرب تهدد النفس والعقل والدين والنسل والمال، فتهدم العدل وتُقصي الحق وتفني الإنسان، وتهدد استقرار وأمان الأوطان، وتلحق الخراب والدمار في البلاد والعباد. فكل هذه القيم تفتقد فاعليتها الأخلاقية والإنسانية، وتبتذل قيمتها الشرعية الأصيلة، في أزمنة الصراع والاحتراب. كذلك يقوم مشروع الشيخ العلمي على تصحيح المفاهيم تصحيحاً جذرياً، يرتكز على التأصيل الشرعي السليم والاستنباط الفقهي القويم، وفقه الواقع والتوقع، فيعيد المفاهيم إلى طبيعتها الرحمانية كما أرادها رب العباد رحمة للناس، وعمارة للبلاد بقيم الخير والجمال، بعدما جرى اختطافها من غلاة المتشددين القتلة والإرهابيين لعقود وعقود، جرى خلالها تجريفها وتحريفها عن مقاصدها الشرعية الأخلاقية والإنسانية النبيلة حتى استحالت إلى وباء وبلاء على المسلمين والناس أجمعين.

كذلك يحرص معالي الشيخ عبدالله بن بيه إلى تفعيل شرط “تحقيق المناط” في مشروعه الفقهي والإفتائي، ويركز على أن الفتاوى أقسام وفروع، ومنها فتاوى وآراء ترجع مناطها وصلاحيتها إلى ولي الأمر؛ كالمعاهدات والاتفاقيات والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقانون العقوبات وغيرها، وهو أمر مذكور ومعهود في تراث الفقه الإسلامي، إلا أن بعض السفهاء كالإرهابيين: يوسف القرضاوي وأحمد الريسوني، المؤدلجين بعقائد الإرهاب والتطرف، المنتمين إلى جماعة الإخوان الإرهابية، يحاولون تحريف هذه المعاني العلمية الصحيحة في الفقه الإسلامي، واستبدالها بفقه العبث والتخريب والدماء، ولكن كتب تراث الفقه الإسلامي موجودة ومحفوظة، وتثبت جهل هؤلاء المتطرفين، وتكشف اصطفافهم الأيديولوجي.

من أهم المشاريع التي يرأسها معالي الشيخ عبدالله بن بيه، “منتدى تعزيز السلم”، فهو مشروع فكري معاصر تجديدي، يروم إلى تأصيل قيمة السلام والتعايش السعيد بين الأديان وبني البشرية جمعاء. كما أن المنتدى كان واضحا من بداية تأسيسه إلى اليوم في دعم كل مبادرات السلام بين الدول أو بين الطوائف المتنازعه، ومن شعاراته التي تصدرت ملتقاه السنوي الأول عام 2014 “إعلان الحرب على الحرب لتكون النتيجة سلماً على سلم”، و”إذا كان طلب الحق حقاً فإن البحث عن السلام أحق” و”السلم بين الناس أولى من الحروب”. وهو في ذلك ينطلق من الموقف النبوي الشريف في “صلح الحديبية” الذي يعد مثالاً واضحاً في رسم طريق البحث عن السلام، عندما رأى نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – أن السلام فوق كل شيء، وأنه هو الغاية المنشودة والسبيل الأمثل، لذا تجد ديننا الحنيف يتشوق إلى طرق السلام ويحث عليها.

وقد كان لمنتدى تعزيز السلم مسيرة زاخرة في احتضان مبادرات السلام ودعمها، كما يظهر ذلك جلياً في حوارات المصالحة بين رجالات الدين في أفريقيا الوسطى برعاية الشيخ عبدالله بن بيه، كما بارك المنتدى مصالحة القرن الأفريقي بين إرتيريا وإثيوبيا، ومنح جائزة الإمام الحسن بن علي للسلم الدولية – رضي الله عليهما – مناصفة بين رئيس الوزراء الإثيوبي والرئيس الإرتيري. ومن أهم مبادرات المنتدى لتعزيز السلم بين الأديان، رعاية وإطلاق “حلف الفضول الجديد”، الذي شارك بتأسيسه قيادات دينية بارزة من اليهودية والمسيحية والمسلمة بقيادة الشيخ عبدالله بن بيه، فالحلف يمهد لأكبر تحالف عالمي في التاريخ الإنساني، ويؤكد أن للديانات الإبراهيمية (اليهودية والمسيحية والمسلمة) تراثا عقديا وأخلاقيا مشتركا، يثمن القيم الإنسانية التي تشترط السلام والتسامح والاحترام المتبادل في العلاقات البشرية، كما قرر هذا الحلف أن العهود والمواثيق لها مكانتها في تاريخ العلاقات الدولية، وفي تأسيس قيم السلم والعدل والحرية والتسامح، ولذلك من الطبيعي أن يبارك المنتدى الخطوة الشجاعة لسيدي صاحب سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في معاهدة السلام مع إسرائيل، وإيقاف تمدد السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، فالمعاهدة تشكل أملاً واعداً للسلام المفقود منذ أكثر من سبعين سنة؛ لأنها تعلي قيمة السلام على قيم الخراب والتدمير، وتبحث عن فرص جديدة جادة، تمهد لإقامة دولة فلسطين ووقف لعبة المتاجرة في القضية والشعارات الزائفة، التي لم تقدم شيئا سوى الأوهام الفارغة والخيالات البعيدة.

إن هذه المعاهدة الجادة والشجاعة ترسم منطلقا جديدا لمستقبل السلام في المنطقة، يقوم على الحوار والتفاهم، ويقصي منطق القطيعة والحروب؛ لأن قيمة السلام تتفوق دائماً على فلسفة الحقد والكراهية ومنطق التدمير والحروب، فالسلام أقوى من كل شيء.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى