فن

• دراما رمضان 2022 ..خنجر من قطن يذبحنا ببرودة أعصاب (2)

بقلم :جهاد ايوب
مشاكل الدراما عند العرب كثيرة، ولم تعد دراما عربية بقدر ما هي مقحمة فيهم وعليهم، وليست منهم، ومع كل موسم نجدها غريبة عن محيطها! نحن لسنا مجتمعات متشابهة كثيراً، ولسنا كلنا شرفاء العصر، و نرتكب أخطاء وجرائم ونسرق، فمنا هذا وذاك، ولكن أن نتعمد تصوير كل قباحات العالم فينا فهذه جريمة جاءت أكثر وضوحاً في هذا الموسم!
▪عدد الأعمال:
وصل عدد الأعمال العربية الدرامية الرمضانية لعام 2022 إلى أكثر من 125 عملاً رغم ظروفنا الاقتصادية المخيفة، ورغم عدم مشاركة بعض شركات الإنتاج الكبيرة في خوض السباق الموسمي المربح، وتوزعت “حسب ما استطعنا من عدها” على النحو التالي :
– أكثر من 45 عملاً خليجياً بينها 27 كويتياً، و 11 سعودياً، و 5 إماراتياً، و 1 من قطر، و1 من سلطنة عمان…وربما لم نتمكن من إحصاء غيرها!
– أكثر من39 عملاً مصرياً.
– أكثر من 27 عملاً سورياً.
– بالكاد 5 أعمال لبنانية، منها 2 مشتركة.
– حوالي 8 أعمال عراقية.
▪ هوامشنا:
المجتمع العربي هو هوامش في الدراما العربية التي تفتقد الذاكرة، وهو مهمش بكل مشاكله، وتضاد قضاياه، وحياته الغريبة العجيبة، ورزقه المفقود الذي يسعى إليه بكل الوسائل…كل هذا لم يحرك أي من القائمين على الدراما، لذلك هي لا تشبهنا، بل خنجر من قطن يذبحنا ببرودة أعصاب! ونجد هذا العام تغييب الكوميديا النظيفة، واحتلال كوميديا التهريج المتصنع، وأحداث غير صالحة للكوميديا!
وعمل تاريخي يتيم، رصدت له ميزانية ضخمة لكن إشكالية المصادر، وعدم اتفاق العرب والمسلمين على تاريخهم تاه في الزحمة، وابتعد عنه المشاهد العربي الذي قرر أن يقاطع الكثير من الأعمال رغم تخمة الإنتاج العربي!
وايضاً مسلسل “شبه مسلسل” يتيم يصور بيئة المقاومة دون ذكاء ومسؤولية لعب خارج السرب، ونفذ بفقر، وبتدخل كل من هنا وهناك بلعبة الدراما، فكانت النتيجة مخجلة لا لزوم لها ولا للعمل العاق !
وعمل درامي من لحم ودم للقضية العربية المحورية فلسطين تم تجاهله كلياً في العرب!
نحن … كلنا نتحمل المسؤولية، سياسة نظام، إنتاج مغرور ومُعلب، واخر تافه لا يفقه بأهمية الدراما، ومشاهد مُخدر، ومثقف يبحث عن جائزة ولا يعرف ماذا يحدث في بيئته، وإعلام يعيش انفلاتاً في نشر الحقد وتغييب الحقيقة وتزوير الحقائق، وقضاء حسب الطلب، وعدالة مهشمة…كلنا شركاء في ذبح كلنا!

▪ موضة العصر
وفنياً، مشغولة الدراما العربية الرمضانية بسرعة التنفيذ دون الأبعاد الفنية ما دام المنتج الأساسي وافق، ولا ريب إذا كتبت الفكرة خلال التصوير، وهذه موضة الدراما العربية في السنوات العشر الأخيرة، لا يوجد نص، بل حوارات تُكتب وتُنفذ في اللوكيشن، لذلك المواضيع الإرهابية الفاسدة تتكرر وتسرق إما من السينما الهوليودية بتشويه، أو من الدراما التركية شكلاً ومضموناً وخيانة وقتلاً بجهل وبفقر وبتعتير وبعباطة في السرقة والتنفيذ، وإما من خلال نشرات الأخبار اليومية…!!
ولا عجب إن وجدنا الممثل لا يعرف ماذا يدور في العمل، والنص غير مكتمل، وفي هكذا حال لا يتمكن المخرج من وضع الرؤية الإخراجية فيهرب إلى المشاهد المثيرة والجنس والتعري، وتكثيف الإضاءة والسينوغرافيا المسرحية حتى يضيع المشهد والممثل معاً، ويضيع بصر المشاهد!
والممثل هنا لا يتمكن من اكتشاف دوره، ولا يحفظه، بل يرتجل وبتصنع، ويذهب مع فريق العمل بأوردر إلى مكان التصوير، ليكتشف انهم غيروا كل النص الذي يرتجلون كتابته، والمغاير عن ما هو معه!
منذ سنوات قلنا، ونعاود الآن:” الفكرة هي الأساس، ومن ثم كتابتها، ومن ثم براعة السيناريو والحوار بعد أن تم الاتفاق على الخطوط الأساسية للعمل، ومن ثم يستلم المخرج ليقرأ، ويجلس مع المنتج ليتم اختيار الممثلين ومن منهم يليق بالدور ويتمكن من تجسيده بدراسة متأنية، ومن ثم المخرج وفريقه مع آراء بعض أصحاب الخبرة من النجوم يتم التعديل بموافقة الكاتب، ومن ثم لا بد من بروفات الطاولة، وهذه أصبحت من الماضي مع إنها اساسية، وتخلق الاجواء المطلوبة بين فريق العمل”… موضة اليوم مجرد فكرة مسروقة خلسة، وكتابات اللحظة حسب رغبة البطل، وكتابات تحت الطلب، وكتابات رغبة وشهوة المنتج !
▪ مواضيعنا وهجرة المشاهد:
مواضيع دراما العرب الرمضانية تعتمد كما ذكرنا، وسنعاود التذكير، تعتمد اليوم على الانحلال، وخيانات، ودعارة، ونسف فكرة الزواج والاسرة، استسهال الخيانة بحجة حرية الشهوة، نقل أجواء البارات وغرف النوم المحرمة إلى فكر الجيل الشبابي ببساطة دون احترام الدين والمجتمع ومتانة الأسرة، والأخطر استسهال القتل دون رفة ضمير، وجمع الثروة دون تعب، والتعاطي مع كل المحرمات الربانية والأسرية والعائلية دون قيود الاخلاق، وإلغاء التربية المدنية دون تقديم الأسباب غير حب الشهوات، ومفهوم الحرية الشخصية، وعشق الذات ومن بعد حماري ما ينبت حشيش، وتهشيم كل اثاثيات بناء علاقات الحب العذري والطبيعي…في الدراما العربية الرمضانية الحالية لا حب ولا عشق ولا غرام ولا هيام لكون هذه الأمور تعتبر تخلفاً، ومن العصور الرجعية، والحب اصبح إرهاباً يوصل إلى القتل! ولقد تمكنت الدراما العربية بأموال العرب، وبعقد نقص في تقليد افكار ما يُنفذ في الغرب بتشويه وفجور، تمكنت من تقليص، وإنهاء مفاهيم شهر رمضان من كل الجوانب، وهذا ولَّد هجرة كبيرة من المتابع كما حصل هذا العام إلا من قبل الميسورين مادياً، والشعوب المخدرة بسياسة انظمتها، وعند جيل يرفض مجتمعه، ويعتبره مجتمعاً متخلفاً رغم كثافة وكم الأعمال المنتجة هذا الموسم! ويتحمل مسؤولية رفض الجيل الشبابي لكل شي رجال الطوائف المتعصبة البعيدة عن الدين، وفساد أهل السياسة، وسياسة وزارات التربية والإعلام بما تُقدم وتُعرض، ولكثرة القيود والممنوعات، ودموية بعض الحكام، وتكرار حروب العرب والمسلمين فيما بينها، وقلة خبرة الشباب في بيئتهم وعلمهم وتاريخهم” مع إن غالبية نصوص تاريخ العرب والمسلمين مزورة”، والأخطر هشاشة ثقافتهم، وتقليدهم لقشور “الخواجة” دون أخذ الإيجابيات من علم وحياة الخواجة – لا زالت عقدة الخواجة مسيطرة علينا! لكل ما نوهت، وقعت الدراما لعام 2022 بهجرة قسم كبير من المشاهدين عنها، ومن لا حول له فرضت عليه من خلال تخمة الإعلانات الذكية والشاطرة، وادمان عشقه لفضائيات بلاده من باب التعصب، وتعصبه لنجومه، وعدم تقبل ابن عمه وغيره من الأقربين، وهذه ولَّدت عنصرية ضخمة ومكثفة تجعله لا يقبل النقد، وإذا انتقدنا مسلسلاته نُصبح أعداء الأمة والوطن والدين، ونُكفر، ويطالبون بعدم السماح لنا بالظهور عبر شاشاتهم، ولا يمنحوننا فيزا لزيارة بلادهم …

▪ ملاحظات سريعة:
شهدت خفوت المشاهدة، وهجرة المتابع، وكثافة في الإنتاج.
– البطل الفعلي هو المط، والتطويل، والمسلسل يحتاج إلى 10 أو15 حلقة، ويصرون أن يكون 30 حلقة لإرضاء الإنتاج والفضائية والخطة الإعلانية…مما يسبب الملل!
– الدراما اللبنانية والسورية المشتركة إلى خفوت، بدأت بتسليم أوراق نهاياتها، وقد نشهد العام المقبل القليل القليل منها، وبالمناسبات، وحسب المصلحة!
– غياب شركة الصباح عن الإنتاج الرمضاني، أفقر المنافسة لبنانياً!
– هجرة عدد كبير من المخرجين والفنيين السوريين إلى العمل في الدراما العراقية.
– غياب الأسماء الكبيرة عن المشاركة، منها ما هو بسبب الموت أو العمر كما حال مصر، ومنها بسبب عدم الاختيار، وعدم الطلب من المنتج المحلي، وتجاهلهم من قبل المنتج الخليجي مثل ما حدث مع نجوم سورية!
ومنهم بسبب العرف اللبناني الذي يتجاهل الكبار قدراً وقيمة!
– في الخليج نجمات الصف الأول من الجيل الأول والثاني حاضرات، عاندات، ولكن سوء الاختيار غيبهن!
– كم الحقد، والبغض، والبيئة المريضة، والاغتصاب، والمافيات، وشرب الخمور لا تصدق في دراما العرب!
– لا عمل يُعالج قضية إنسانية، ولا حتى في خط درامي رغم الكم الإنتاجي، ورغم كثافة المشاكل من حولنا!
– تغييب كلي للواقع الإنساني الاجتماعي، واستبداله بالدعارة التي احتلت الشاشات!
– حكايات مركبة، وفجأة تطل شخصية من خارج العمل لتصبح ضمن خط درامي أساسي مع إن خطها لو مُنتج لا يؤثر على العمل، ولكن رغبة وصداقات المنتج اساسية!
– عن قصد يغيبون المرأة العربية بكل نضالها كأم عاملة، أو مريضة ولديها مسؤوليات، أو مقاومة، وكذلك الرجل والشاب بكل ما يحمل من هموم هذه الحياة التي نعيشها…ويستبدلونهم بشخصيات ضمن خطوط لا تشبهنا بالمطلق، ولا علاقة لها بحياتنا!
وإذا أرادوا التطرق إلى الواقع، يثرثرون بجملة والسلام!
– الدراما المصرية قررت العيش في غيبوبة، والابتعاد عن الواقع كما يشتهي النظام السياسي، وتشويه البيئة الشعبية، وتخديرها كلياً، وعدم الاهتمام بالوجوه الفنية الشابة إلا من خلال الشكل!
– الدراما اللبنانية تهرب من الوطن إلى قصص من كوكب مجهول، وتصر أن لا تقرأ التفاصيل في أي عمل يقدم، وهمها تعري البطلات في بعض الأعمال!
وما يؤلم عدم إيمانها بالنجوم الكبار، وإن سمحوا لهم بالمشاركة تكون النتيجة في مشاهد قليلة لا لون لها، ولا تؤثر!
– الدراما السورية في السنوات الأخيرة اتجهت إلى الشباب، ومن يتواجد من نجوم في سورية، ولم تعد تهتم بنجوم الصورة والشهرة، ولكنها تركز على قصص المافيات داخل الواقع السوري ما بعد الحرب، وسُمح لها بانتقاد حالات فاسدة وموظفة في النظام، يُعيبها إنها تكثف الأحداث والخطوط الدرامية في بداية المسلسل إلى الحلقة 15 او اقل، ومن ثم يبدأ اللت، والثرثرات، والمط، وتوهان الخط!
– الدراما الخليجية أصبحت بغالبيتها تقريرية، ارشادية، أو تعتمد على جرأة فيها شوائب درامية، أو قادمة من المريخ، وللحق وجب تغيير وجوه غالبية نجمات الصف الثاني والثالث لكثرة ضخامة عمليات التجميل والمكياج!
– الدراما الفلسطينية التي شاهدناها من خلال الأعمال القليلة تعتمد القصة الواقعية على حساب الاخراج، واحياناً أداء الممثلين خافتاً!
– الدراما العراقية من خلال ثمانية أعمال شاهدنا غالبيتها ترغب بالمنافسة عبر قصص غير موجودة في مجتمعها، وهذا خطأ، فالواقعية المدروسة هي التي توصل أصحابها إلى العالم …قد يتعلمون من التجربة السورية!

# ملاحظة اخيرة : حدث في “للموت 2 ” الزلمي تم ربطه بدولاب واحرق كلياً بعد أن رش هو والمكان بمواد حارقة، وصار فحمة، ولكن بمعجزة جهنمية عاد متعافياً بسرعة البرق، ولا زمان ولا وقت درامي وزمني غاب عنها! احترموا المشاهد، والدراما وعقولكم، ويكفي هذا الاستخفاف بكل القيم والأصول الدرامية…ما نشاهده لم يحصل في باب – الحارة مع أبو عصام!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى