فن

التكلُّف والتشاوف مرض يصيب بعض الفنانين

بقلم // فرنسوا الحلو
التكلّف و ” شَوْفِة الحال ” سِمَتان قائمتان بالسهرات عند بعض الفنّانين في أغلب الأحيان ، هذا ما نشاهده في المناسبات والحفلات التي تُقام في الليالي البيضاء والحمراء والغبراء والملّونة، فالبعض من هذا الكُلّ” يتكابَر ويتشَاوَف ” على الكلّ، والكُلّ من هذا البعض يتسلّح بـ ” بلوك البرستيج ” الفارغ الذي يُصوّب من خلاله سهام عنفوانه على الساهرين والصحافيين.
لكن هذا الـ ” بلوك المدكوك بالباطون ” سرعان ما ينهار عند أوّل إحتكاك ومَطبّ، لأنه مبنّي على ” فوفاش”..
وما أكثر الفنانين الذين ” تَفَوْفَشوا ( من كلمة فوفاش )” وإنهارت جدران وسقوف محبّتهم عند متابعيهم نتيجة هذا التصرّف اللامرغوب.
ومن الرائج همسًا وجهارًا في المجالس الخاصة، أن هذه الـ ” بابازات” المُتكلّفة، تُعتبر عندهم ( أي عند الفنانين ) من العدّة التي يستعملونها لإظهار قوّة يستنسخونها من ضعفهم ، فيَتَمَترسون خلفها ، مُتَخذين منها واقيًا لحجب هذا الضعف والهروب من الذات.
وتتجلّى هاتان السِمَتان بوضوح حين يكون مقرّرًا أن يحيي فنان من هؤلاء الفنانين حفلًا كبيرًا وسط حشدٍ من المحتفلين الذين يكنّون الإحترام والموّدة لفنّه وصيته الضارب .
فيتجمّعون للتأهيل والترحيب به ، غير أنه يمرّ من بينهم – على غفلة – ( غير مكترث لأمرهم ) ضمن مواكبة من الـ ” بادي غارد ” تلّفه هالة من العَظَمَة ، حاسبًا نفسه السلطان عبد الحميد ” بعزّه وجلالته “، سالكًا طريقه الى غرفة الإنتظار المُحكمة الإقفال ، لا تطرف عينه الى أحدٍ الّا لمَن حالفه الحظّ وفاضت عليه النعمة الربانيّة ،وإستطاع بعد جهد ، أن يلقي التحيّة عليه تحبّبًا ومحبّة ، فيبادله بإبتسامة صفراء ، متابعًا طريقه كالسهم الى غرفته برفقة مَن يصطحب.
فيعتقد كلّ مَن يشاهده – للوهلة – بأن موكبًا لرئيس إحدى الدوَل العظمى يمرّ بمحاذاته ، ويهاب مرافقوه من أي محاولة لإغتياله.
وينزوي ( هذا الفنان الكلّي العَظَمَة ) طوال السهرة في الغرفة المُعدّة له، لا يرضى بمقابلة أحدٍ ، لأن برستيجه الموقّر يمنعه من التنازل أو النزول الى العامة ،ولا يقبل بأن يدلي بأيّ حديث لأيّ صحافي أو أن يلتقط صورة مع أيّ من الإعلاميين ، لأن الشوفانية التي يعيشها تجعله يحيا بعالم فوق طبقة البشر.
وينتظر مرور الوقت عازلًا نفسه داخل غرفته وبين جدران أفكاره المُشوّشة بالأوهام ، متحضّرًا للحظة التي سيُقدّم فيها وصلته الغنائية .. و ما أن يُنهيها ( بحمد الله وشكره ) على المسرح حتى يغادره بخفّي حُنين ،ويرحل عن المكان غير عابئ بهتافات الجمهور وهيصاتهم له، ولا يهمّه عدد الناس المُعجبين بفنّه ولا الرتل الهائل من الصحافيين وصائدي الـ” سكوووبات ” الذين يوّدون ( شَرَفَ ) لقائه الميمون.
فتصيبهم – حينها – الخيبة ، ويقفون منهزمين ، مُحبطين ،يثرثرون ويتهامسون متخبّطين بضياع أملهم ، وهم الذين كانوا يعوّلون على مكالمته وإجراء مقابلة معه ( تنفيذًا لأمر مديرهم ) وللإستماع الى جديده المنتظر لسَبَقَهم الصحفي المنشود، فيأتي بتصرّفه هذا ، حساب بيدرهم مختلفًا عن حساب الحقل.
وهنا لا بدّ من السؤال البديهي..
لو قاطع الصحافيون هؤلاء الفنانون الـ ” بابازيات ” هل كانوا يتصرّفون كما تصرّف هذا الـ ” سوبر ” فنان؟
ولو تجاهل الصحافيون والناس هؤلاء المتشاوفين.. ولم يعيروهم إهتمامًا.. هل يبقى تصرّفهم على هذا النحو؟
ولو لم يتسابق اليهم الإعلاميون ( ويعطوهم نَفَس فخامة ) .. هل كانوا يعتصمون في غرفهم المقفلة ولا يقابلون أيًا منهم؟
ولو تجاهلوهم .. وإمتنعوا عن تفخيمهم .. هل كان يتسّلقون برجهم العاجي ويقفلون بوجههم بابه كما فَعَل صاحبنا؟
والحقيقة تكمن …
لو تصرّف الصحافيون وفق مهنتهم السامية من النَدّ الى النَدّ ولم يعيروهم إهتمامًا . ولو تغاضى الناس عن لَمْعَة الإنبهار بهم ، لما كانوا وقعوا في عتمة هذه الخيبات المُرّة ، ولكانت هاتان السمَتان المتجذّرتان بهؤلاء الفنانين قد شُلّتا ووُجب إعادة النظر بفكر ونفسيّة مَن يحملهما.
والله أعلم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى