بقلم : جهاد ايوب …”بيروت برهان” ل فرح الهاشم وثائقي يبحث عن مدينته ومخرجة تبحث عن وطن عربي لشباب العرب !
بقلم// جهاد أيوب
خطورة المخرجة فرح الهاشم في ” بيروت برهان” أنها تلامس عمق الاحساس، وتصفع ما نحن عليه من خلال شريط وثائقي برؤية درامية تنحو إلى الروائية لإيصال رسائل معينة تقلق أبناء جيلها، وكانت قد اقلقت شباب قد سبقها، وشاخ دون أن يحقق ما حلم به!
فيلم ” بيروت برهان” قدم مخرجة لا تزال تجرب، وهذا أجمل ما في أفلامها، قدم روحاً مسكونة بالبحث، بالمغامرة، وبالتجديد لزمن يشبهها ويؤلمنا، لوطن عربي ضائع!
كبرت البنت الصغيرة، لقد أينعت الفتاة الشقية، بحثت عن حالها صاحبة موهبة واضحة كانت تجعل منها طفلة قلقة باستمرار، ورافضة وثائرة إلى أن اكتشفت ما تريد أو بعض ما تريده في الدراسة والعلم والتخصص…إنها ابنتنا في السابق ولا تزال، ومخرجة اليوم فرح الهاشم – كويتية الجنسية والروح والمسؤولية، ولبنانية الروح والتربية والعشق وكل الربيع ومطر الشتاء – فرح التي كانت تسأل في صغرها عن أسباب سقوط أوراق الشجر في فصل الخريف، وكانت تنزعج من ذلك، هي اليوم تعرف الأسباب الطبيعية الوجودية لأستمرار حال الخريف في حياة مكتملة العلاقة فيما بينها، ونحن للأسف كبشر نحاول أن نتطاول على الطبيعة، ونشوهها، ونسرق ديوان ميزانها حتى نزداد خباثة وضرراً!
وهذه الفرح التي كبرت صريحة جداً، ولكنها أدركت ذلك فأخذت بإعطاء الرأي والعمل في البوح دون أن تغدر بأحد، أخذت تصغي وتستمع وتحاور دون أن تفتعل التجريح رغم انفعالاتها العصبية السابقة لكنها اليوم تتربع على انفعالات الفنانة المخرجة التي تفكر في أن تصرخ وتضع رأيها في عملها، وترتب أوراقها الكثيفة العديدة الكثيرة، والأهم المتنقلة من مدينة إلى مدينة بين بلاد الشرق والغرب لتعمق تجربتها الإخراجية لا أن تدير الزوايا في وقت ضائع، هي لا تزال تبحث، وفاتحة أبوابها للتوازن الفكري العلمي، ومشرعة التواصل الإفادة من أجل قنوات الطرح في فنها في عالمها كمخرجة لا تريد أن تتعثر بعقد المجتمع، بل تريد أن تنتقد، تكرم، وتعرض ما يريده جيلها بلغة السينما، وما يحب جيلها بخطوات مدروسة بعالم الشاشة الفضية!
لم تعد تؤجل المخرجة فرح الهاشم مشاريعها، ولكنها تبحث عن الإنتاج بعد أن تجتهد بدراسة أفكارها، وهذا هو حالها، وحالنا مع أحلامها التي نفذت في تجربتها العاشرة من خلال فيلمها الجديد التحية والكتاب – المخرج برهان علوية- ” بيروت برهان”، والذي عرضته في سينما ميترو الحمرا مساء أمس أمام نخبة من جمهور لا زال يؤمن بتجارب الشباب، وبعض المثقفين في مدينة هجرها المثقف وأهلها، وزملاء شاركوها الدراسة، وحضور جمهور خاص بفنها، واسرتها، وكاتب هذه السطور الذي عثر عليها بعد غياب، ليجد مجنونة غاية بالعقلانية، وثائرة من أجل الإنسان في وطن، وتراكمات أفكار جيلها في صرخة سينمائية ضد شوائب التجاهل والجاهل…وجدت فرح الهاشم أكثر اصغاءاً، و أكثر الماماً بما تعمل، وأكثر قلقاً في مواجهة جمهور يؤمن بها، وأكثر توهجاً رغم أن بلاد العرب لا تقدم غير السياسة المبتورة، والظلم، والجحود خارج جمود الفكر والمستقبل، فرح ترفض الظلم والجمود معاً مع إنها لا تزال طفلة رغم اسرارها بالبوح عن عمرها وكأن الطفولة في العمر!
فرح المخرجة هي امتداد طبيعي ل فرح الطفلة المشاغبة الشقية التي لا تجرح، وإن جرحت لا تؤذي، وإن أذت لا تسيل الدماء، وإن سالت الدماء لديها عاطفة جياشة لتكفكف دموع غيرها، وتداري من هو شعر بأنها أضرت به…فرح الهاشم لا تقصد ان تجرح غيرها منذ طفولتها، ولكن القلق المزروع في أعماقها يريد أن يخرج، يبحث عن مساحة، عن قطعة ارض كي يعلن حضوره، وها هي وجدت الأرض في السينما، وها هي تخرج كل ما يزعجها ويزعج جيلها، يقلقها ويقلق أبناء صفها في الحياة، يغضبها ويغضب الشجر من حولها…فرح لا تنسلخ عن الماضي، لذلك لملمت أوراقها المبعثرة، ونظمتها في شريط سينمائي يشبهها، ويصفعنا، ويقدمنا كما نحن ليس بكل الحقيقة، بل بحقيقتنا، لآن فرح تعرف أن الحقيقة لا تقال كلها، بل تؤجل، ولكن ومن خلال الشاشة نستطيع أن نقدم بعض الحقائق للإفادة من الفرجة!
100 دقيقة شاهدناها حول مخرج زرع اسلوباً مغايراً في السينما العربية إسمه المظلوم في بلاد الظلم برهان علوية، 100 دقيقة مشغولة بذات الروح الشغف تسرب منها رسائل للمرحلة وما بعدها بعفوية درامية مقصودة روائياً بذكاء البنت المخرجة الشقية فرح الهاشم !
استطاعت فرح التصرف بالكاميرا باسلوب رائع، اخذتنا إلى متعة بصرية دون أن تؤذي بصرنا، كاميرا تتوافق مع نص كتبته فرح بجماليات سنرغمها على أن تستمر بكتابة أفكارها وحواراتها ونصوصها وسيناريوهاتها! والأجمل عند فرح المخرجة تلك الشطارة في إقحام رأيها الوطني القومي السياسي الفكري، ورسائلها الاجتماعية من أول مشاهد الفيلم إلى اللقطات الدرامية داخل الفيلم، يضاف الاختيارات الموسيقية الحساسة رغم اختلافها في المنهج والبعد الفني والصوتي، وهذه مغامرة صعبة أن تقدم في فيلم، ولكن جنون فرح الهاشم، وصدق روحها المتصالحة مع جنونها قدمت لنا وجبة ممتعة تحسب لها، ولها تحسب، وجبة موسيقية زمنية متضاربة بأبعادها السياسية والاجتماعية والفنية، ولا أعتقد يوجد من أبناء جيلها يجاريها بذلك، وبتلك الثقافة المتنوعة!
#اشارات
بعد العرض كانت نقاشات، مداخلات فيها ملاحظات وإشارات محبة رغم صراحة نقدها، وكان لنا حصة لا بأس بها، قلناها هناك، ولا ضرورة من إعادتها هنا، فالغاية الإفادة لا التشهير بحجة نحن هنا، فقط اعيد التأكيد أنه كان بالامكان اختزال الكثير من كلام ضيوف الفيلم الوثائقي، والاستغناء عن حضور بعضهم، وهذا “يشدشده أكثر ” أو لصالح الفيلم في حال عرض في مهرجانات عالمية، ويجعلنا نبقى فيه كما حدث في كثير من تفاصيله وضيوفه…نقول هذا ليس تطرفاً أو بسبب عقدنا الشخصية بل لآن الفيلم يحاكي قيمة رحلت ولا مجال لتدافع عن نفسها، وعلينا تقبلها في التحية الفيلم كما هي، وكما كانت، لآن الفيلم يعمق تجربة تلامس روح مخرج مرهف بشخصية ثرية صاحبها كان جاداً ومؤمناً بدوره وبقضيته كما حال المخرجة فرح الهاشم اليوم، وإذا تم انتقاده بإلغاء دوره كمخرج والاكتفاء بما يكتبه وبقوله من أفكار وجب الرد من شخصية ثانية وإلا ما الغاية من العمل التوثيقي الوثائقي؟!
أفلام برهان هي بعض أفكار برهان، وأفكار برهان في بعض أفلامه…هذه هي الحقيقة، وهذه تحضير للأرضية كي نضوي على برهان الذي نعرفه، ولم يأتينا من فراغ، وهذا ما استدعي قيام وتنفيذ أي فيلم وثائقي عنه… خاصة أن برهان الذي احضرته المخرجة فرح بذكاء ونجاح وشفافية يلتقي كثيراً معها في البحث عن وطن، والفارق بأن برهان ظل مؤمناً بوجود مدينة وعاصمة الوطن رغم بحثه ولم يجدها، بينما الهاشم تعمل بغياب كل لكل مدن وبلاد العرب، وهي عربية الروح والمنهج والحب الذي تصر أن تبحث عنه في عاصمة مفقودة في زمن اختلف، وظروف تغيرت فقط الغدر العربي للعربي هو الذي تبقى للأسف!