سياسة

حكومة الـ Blackout: الكهرباء بعونه تعالى!

في الساعات الماضية عاشت حكومة نجيب ميقاتي أسوأ كوابيسها بعد وقوع المحظور بدخول اللبنانيين مدار العتمة الشاملة أو Blackout  وتسليم أمرهم لمافيات مولّدات الكهرباء والظلام الدامس وسط مناخات حرب حقيقية. سلّم ميقاتي أمره للصلاة والدعاء واستنفد وزير الطاقة وليد فياض ومؤسّسة كهرباء لبنان والعاملون على السكت على خطّ تجنّب الفضيحة الكبرى كلّ طاقتهم، لكنّ كلّ المحاولات باءت بالفشل مع إعلان مؤسّسة كهرباء لبنان خروجاً قسرياً ظهر يوم السبت لآخر مجموعة إنتاجية لمعمل الزهراني باقية على الشبكة الكهربائية عن الخدمة بالكامل جرّاء نفاد خزين المعمل من مادّة الغاز أويل بالكامل!

في آخر لحظة دخلت الجزائر على الخط وأبلغ بعد ظهر أمس  الوزير الأوّل الجزائري الرئيس ميقاتي أنّ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أعطى تعليماته بتزويد لبنان فوراً بما يحتاجه من الفيول، إلاّ أنّه لم تتّضح على الفور آلية تنفيذ هذا الإعلان والمدة التي يحتاجها إلى التنفيذ.

في المقابل، التأم مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان بصورة استثنائية أمس الأحد (بدلاً من اليوم الاثنين) برئاسة رئيس مجلس الإدارة كمال الحايك وذلك بعد تعذّر انعقاده يوم الاربعاء الماضي لوجود الأخير في إجازة خارج البلاد.

وافق المجلس على تسلّم معمل الزهراني كمية حوالي خمسة كيلو ليتر من منشآت النفط في الزهراني وذلك على سبيل الإعارة، كما وافق على تغطية ثمن شحنة الغاز أويل التي سيتمّ توريدها لصالح مؤسّسة كهرباء لبنان بواسطة وزارة الطاقة بموجب المناقصة العمومية لعقد الشراء الفوري (Spot Cargo) عبر هيئة الشراء العام.

رمى مجلس الإدارة الكرة في ملعب وزير الطاقة والحكومة “بعدما لم يرده أجوبة على سبع مراسلات لتجنّب توقّف معمليّ الزهراني ودير عمار”. وأوحى الحايك بحصول عملية تضليل “حيث كان يتمّ التأكيد والتطمين على أنّه قد تمّ تذليل العقبات أمام مسألة توريد شحنات الغاز أويل بموجب اتفاقية المبادلة العراقية وهذه الاجتماعات موثقة جميعها”!

بالنتيجة، هي فضيحة بالتأكيد، إذ توقّفت التغذية بالتيّار الكهربائي كلّياً على جميع الأراضي اللبنانية، من ضمنها المرافق الأساسية والحيوية كالمطار والمرفأ ومضخّات المياه والصرف الصحّي، كما غرقت السجون في العتمة الشاملة… لكنّ وزير الطاقة طمأن الخائفين: “مولّدات الكهرباء توفّر الطاقة لمطار بيروت مؤقّتاً لمدّة يومين” (تنتهي عمليّاً اليوم الإثنين)، مع إشارته إلى “تلاعب بالفولتاج أدّى إلى “تك الساعة” في المطار الشغّال حالياً على المولّدات الخاصّة”.

بما يشبه تقديم حبّة “بانادول” لمريض يحتضر طلب وزير الطاقة من مؤسّسة كهرباء لبنان والمصلحة الوطنية لنهر الليطاني وضع إنتاج المصلحة من المعامل المائية على الشبكة العامّة لكهرباء لبنان لتوفير 80 إلى 100 ميغاواط من الكهرباء لمضخّات المياه الرئيسية في الجنوب وجبل لبنان وبيروت بانتظار معالجة مشكلة المستحقّات الماليّة المتوجّبة على الجانب اللبناني للحكومة العراقية، فيما يفترض أن يكون الحلّ المؤقّت الآخر من خلال استنجاد وزارة الطاقة مرّة جديدة بمخزون الجيش في منشآت النفط في الزهراني لتشغيل المعامل الحرارية لتزويد خطوط المرافق العامّة الأساسية ومحطات ضخّ المياه والصرف الصحّي بالطاقة اللازمة، على أن تتولّى مؤسّسة كهرباء لبنان تسديد قيمة هذه الكمّيات وفقاً للأصول المعمول بها في أنظمتها، كما جاء في بيان فيّاض.

في المقابل، لم يتوانَ وزير الطاقة عن التمريك علناً على “تصييف” كمال الحايك من خلال الإشارة إلى وجوده خارج لبنان بإجازة وإقفال خطّه، وتحميله بشكل غير مباشر مسؤولية توقيع عقد نفقة ماليّة عبر التئام مجلس الإدارة لإيصال شحنة spot cargo توفّر 600 ميغاواط، وذلك عبر إرسال عقد النفقة إلى مصرف لبنان لإصدار الاعتماد المستنديّ لها.

اجتماع مجلس “الأزمات”

يُذكر أنّ مجلس إدارة مؤسّسة كهرباء لبنان لم يتمكّن من عقد اجتماع الأربعاء الماضي بعد جلسة مجلس الوزراء التي أقرّت خطّة الطوارئ ومن ضمنها الكهرباء.

فبغياب الحايك دعا إلى الاجتماع العضو الأكبر سنّاً، ولم يحضره عضو مجلس الإدارة كريم سابا (مقرّب من التيار الوطني الحرّ) “لدواعٍ مرضية”، كما قال. وفيما اتّهم سابا بالانصياع لرغبة باسيل بعدم الحضور أكّد في حديث إعلامي: “إنّني لم أحضر بسبب مرضي واعتذرت بالقانون عن الحضور ولم أتعرّض لأيّ ضغط”.

خيار فيّاض

بعد تأخّر وصول الفيول العراقي تقدّم الخيار الذي يُزكّيه وزير الطاقة لإعادة تشغيل مجموعات التوليد الأربع في معملَي دير عمار والزهراني.

فإضافة إلى تخصيص الحكومة سلفة خزينة لشركة الكهرباء بقيمة 6,850 مليار ليرة هي بمنزلة متوجّبات على الدولة عن تشغيل إداراتها ووزاراتها (لم تصرف منها وزارة المال سوى ألف مليار)، نسّق وزير الطاقة مع الرئيس ميقاتي من أجل شراء 30 ألف طن (بكلفة 25 مليون دولار) من الغاز أويل عبر مناقصة spot cargo من خلال سفينة نيجيرية ترسو في مصر وجاهزة للتحميل والتفريغ في مصبّات النفط الخاصة بمعامل الكهرباء.

أقنع فياض رئيس الحكومة بمناقصة spot cargo، لكنّه لم يتمكّن من إقناع النائب جبران باسيل ووزيرة الطاقة السابقة ندى البستاني بها، حيث قامت قيامتهما على فياض وأمراه بعدم التوقيع على أيّ ورقة في الوزارة من دون موافقتهما المسبقة بذريعة عدم تحميل وزارة الطاقة المزيد من الأعباء.

مصير الفيول العراقيّ

لكن ماذا عن مصير شحنة الفيول العراقي المتأخّرة؟ ومتى ستصل إلى لبنان؟

تقول مصادر رسمية لـ “أساس” إنّ “عوائق تقنية فقط أخّرت وصول هذه الشحنة. فرئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني، وبعد زيارة رئيس الحكومة للعراق على رأس وفد وزاري ضمّ أيضاً نائب المدير العامّ لأمن الدولة العميد حسن شقير في 31 تموز الماضي، أمر بتحميل الباخرة فوراً، لكنّ المسألة تكمن فقط في جدولة الإنتاج بحسب توزيعة آبار النفط في العراق. ومن المتوقّع وصول الباخرة نهاية الشهر الحالي أو بداية أيلول، مع العلم أنّ الفيول الثقيل من العراق يتمّ استبداله عبر تقنية swap بالغاز أويل لزوم مؤسّسة كهرباء لبنان”.

مع ذلك، تجزم أوساط متابعة أنّ تأخير وصول شحنات الفيول العراقي منذ تموز الماضي هو رسالة من العراق إلى المسؤولين اللبنانيين بسبب التقصير الفاضح في تحمّل حكومة لبنان مسؤولية الالتزام بدفع الموجبات المالية المترتّبة عليها إن لجهة إنشاء منصّة تبادل الفيول بالسلع والخدمات أو لجهة قيام البرلمان اللبناني بواجبه، حيث يرفض مصرف لبنان حتى الآن تحويل ثمن شحنات الفيول إلى حساب الحكومة العراقية بسبب عدم إقرار قانون في مجلس النواب يقونن تخصيص اعتماد في الموازنة لتسديد ثمن شحنات الفيول. مع العلم أنّ قيمة المتراكمات من ديون الفيول العراقي على لبنان تصل إلى 530 مليون دولار، كدفعة فورية من أصل تراكم دين يصل إلى نحو ملياريّ دولار!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى