الشّـ.ـيـ.ـعـة في #لبنان نقمة النّقمات.. فليرحلوا
سركيس الشيّخا الدويهي
قبل تسع سنوات، كتبتُ مقالةً عن الشّـ.ـيـ.ـعـة في لبنان بعنوان: “الشّـ.ـيـ.ـعـة نقمة.. فليرحلوا”.
الجدليّة لا تزال قائمةً، وقد تدوم وتدوم إلى أجَلٍ غير مسمّى. وحُكمي لا يزالُ ثابتًا، فرأيي لم يتغيّر، ومبادئي لم تتبدّل، وقناعاتي لم تتزعزع، ولم تسقط.
لم أكتب المقالة، يومها، لأنال حظوةً عند الشّـ.ـيـ.ـعـة، أو منصبًا من الثّنائيّ الشّـ.ـيـ.ـعـيّ، بل لأنقل الحقيقة، ولا شيء غير الحقيقة. حقيقة اكتشفتُها يوم تجرّدتُ من أفكاري الموروثة، ومن التّـعـصّب الأعمى بمختلف أشكاله، وتعرّفتُ إلى الطّائفة الشّـ.ـيـعـ.ـيّـة الكريمة والشّـ.ـيـ.ـعـة في لبنان.
التّجرّد من الأفكار الموروثة عمليّةٌ صعبة تحتاج إلى الكثير من القوّة والجرأة والشّجاعة، إلّا أنّها عمل بطوليّ يحرّر الإنسان من كلّ القيود المفروضة عليه من أهله ومجتمعه.
لم أتربَّ على الكذب في بيت أبي، بل على الصّدق، وقول الحقيقة، والدّفاع عن الحقّ، مهما كان ثمنُ هذه الحقيقة باهظًا، ومهما كانت التّضحيات في سبيل الحقّ جسيمةً. ولا أبالغ إن قلتُ إنّني دفعتُ “غاليًا جدًّا” ثمن المقالة الموضوعيّة الّتي كتبتُها بصدقٍ، وجرأةٍ، وشجاعةٍ، إرضاءً لله، وإظهارًا للحقيقة، وانتصارًا للحقّ…
الشّـ.ـيـ.ـعـة في لبنان نقمةٌ.. نقمة النّقمات… جدليّةٌ قائمةٌ لدى مَنْ يعتبرهم خطرًا وجوديًّا على لبنان، وعلى شركائهم فيه.
نعم، إنّ الشّـ.ـيـ.ـعـة في لبنان نقمةٌ علينا، لأنّهم لم يرتضوا لأنفسهم الـخـزي، والـعـار، والـذّلّ، والـهـوان… فحـ.ـاربـ.ـوا الجيش الإسـ.ـرائـيـ.ـلـيّ الّذي “لا يُقهَر” بالحجارة، والزّيت المغليّ، وبنادق الصّيد، ومن ثمّ بالأسلحة المتطوّرة والعقول المتوقّدة، فـ.ـقـ.ـهـ.ـروه، وهـزمـوه، ودحـروه، وحـ.ـرّروا جنوبنا الغالي من براثنه عام ٢٠٠٠، وأثبتوا للعالم أجمع أنّ “إسـ.ـرائـ.ـيـل” أوهن من بيت العنكبوت في حـ.ـرب تـمّـوز عام ٢٠٠٦.
نعم، إنّ الشّـ.ـيـ.ـعـة في لبنان نقمةُ النّقمات، لأنّهم قـ.ـاتـلـ.ـوا الجماعات الإرهـ.ـابـ.ـيّـة والـتّـ.ـكـفـيـ.ـريّة ببأسٍ شديدٍ، وقدّموا أجسادهم دروعًا واقيةً عند الحدود الشّرقيّة إلى جانب أبطال الجيش اللّبنانيّ، فانتشلوا لبنان من فم الإرهـ.ـاب الـتّـ.ـكـفـيـ.ـريّ، وحموا شعبه من أبشع المـ.ـجـ.ـازر والعمليّات الدّمـويّـة الّتي لم تكن لتستثني أحدًا، أو منطقةً، أو طائفةً، وما حصل في سـوريا والعـراق خير دليل على ما أكتب.
إنّ الشّـ.ـيـ.ـعـة في لبنان إرهـ.ـابيّون، لأنّهم قـ.ـاتـ.ـلـ.ـوا الـصّـ.ـهـايـ.ـنـة والـتّـ.ـكـفـيـ.ـريّـيـن الإرهـ.ـابـ.ـيّـيـن، ذودًا عن لبنان وجميع اللّبنانيّين؛ ولم يـقـ.ـتـ.ـلوا الأبرياء من الأطفال، والنّساء، والشّباب، والعجائز؛ ولم يرسلوا السّيّاراتٍ المـفـ.ـخّـ.ـخـةً والانـتـ.ـحـ.ـاريّـيـن؛ ولم يقـ.ـطـ.ـعوا الرّؤوس، ويبقروا البطون، ويأكلوا القلوب والأكباد؛ ولم يـغـ.ـتـصـ.ـبوا العذارى، ويـسـ.ـبـ.ـوا النّساء؛ ولم يـنـكّـلـوا بجثث الـقـ.ـتـ.ـلـى الإسـ.ـرائـيـلـ.ـيّـيـن والإرهـ.ـابـ.ـيّـ.ـيـن؛ ولم يتفنّنوا بالـ.ـقـ.ـتـل والـتّـ.ـعـ.ـذيب، ويتباهوا بـجـ.ـرائـ.ـمـ.ـهـم الـشّـنـيـعـة أمام آلات التّصوير؛ ولم يرتكبوا المـ.ـجـ.ـازر في حقّ المدنيّين العُزَّل؛ ولم يـعـدمـوا الأسـ.ـرى ذبـ.ـحًـا، وصـ.ـلـبًـا، وحرقًا، ورميًا بالرّصـاص؛ ولم يـدمّـروا البيوت والمباني، فوق رؤوس أصحابها؛ ولم يـهـدمـوا المستشفيات، والمدارس، والجامعات، على من فيها؛ ولم يـ.ـقـ.ـتـ.ـلـوا الجنود في الثّكنات ورجال الدّين في دور العبادة…
هل الـشّـ.ـيـ.ـعـة هم من أسّسوا “القـ.ـاعـ.ـدة”، و”داعـ.ـش”، و”جـ.ـبـ.ـهـة النّـ.ـصـ.ـرة”، و”الـ.ـتّـ.ـكـفـ.ـيـر والهجرة”، وغيرها من الجماعات الـتّـ.ـكـ.ـفـيـ.ـريّـة؟ وهل “أسـ.ـامـ.ـة بـن لادِن”، و”أبـو بـ.ـكـ.ـر الـ.ـبغـ.ـداديّ”، و”أبـو عـ.ـمـ.ـر الـشّـ.ـيـشـ.ـانيّ”، وغيرهم من أمراء الإرهـ.ـاب ورموزه هم من الشّـ.ـيـ.ـعـ.ـة؟ وهم بالتّأكيد ليسوا بـمسـلـمـيـن أو بسُنّة، فالإرهـ.ـابـ.ـيّـ.ـون لا دين لهم ولا طائفة.
إنّ الــشّـ.ـيـ.ـعة في لبنان كـ.ـافـ.ـرون، لأنّهم لم يـ.ـكـ.ـفِّـ.ـروا مسيحيًّا، ولا سنّيًّا، ولا درزيًّا؛ ولم يـخـ.ـطـ.ـفـوا راهباتٍ، ومطارنة، ورجال دين؛ ولم يـ.ـغـ.ـتـ.ـالـوا مشايخ ومفتين؛ ولم يــفـ.ـجّـ.ـروا كنائس، وأديرة، ومساجد؛ ولم ينبشـوا قـبـور قدّيسين وأولياء صالحين، ولم يكسّروا صلبان، أو يـحـطّـمـوا تماثيل للعذراء أو الـمـسـيـح؛ ولم يـحـرقـوا أيقونات وأنـاجـيـل؛ ولم يـهـ.ـجّـ.ـروا سنّةً، أو دروزًا، أو مسيحيّين؛ ولم يخـوضـوا حروب إلغاء دمويّة؛ ولم يذبحوا الأبرياء على الهويّة؛ ولم يـ.ـقـ.ـتـ.ـلـوا مَنْ ليسوا بـشـيـعـةٍ، أو يفرضوا الجـزيـة عليهم، ليسمحوا لهم بالعيش سالمين آمنين…
إنّ الشّـ.ـيـ.ـعـة في لبنان عـ.ـمـ.ـلاء، لأنّهم لم يجتمعوا بـشـ.ـارون ونـ.ـتـنـ.ـيـاهو؛ ولم يصافحوا الـ.ـقـ.ـادة الإسـ.ـرائـ.ـيـ.ـلـ.ـيّـيـن؛ ولم يخطّطوا مع الضّبّاط الـصّـ.ـهـ.ـايـ.ـنـة، لاجـ.ـتـ.ـيـاح بيروت والمناطق اللّبنانيّة؛ ولم يحظوا بـ”رفاهيّة” التّجوّل على متن الـدّبّـ.ـابـ.ـات الإسـ.ـرائـ.ـيـلـ.ـيّـة، أو على “ترف” الحصول على هدايا العـ.ـدوّ الثّمينة من أسـ.ـلـ.ـحـة، وخواتم، وبدلات عـسـكـريّـة… ولم يرسلوا المؤَن، والمال، والسّـ.ـلاح، والحفاضات، والحليب، للإرهـ.ـابـ.ـيّـ.ـيـن في سـوريا وفي جرود عـرسـال.
إنّ الشّـ.ـيـ.ـعـة في لبنان عـ.ـمـ.ـلاء، لأنّهم لم يستسلموا لـ”الشّـيـطان الأكبر” وربيبه “الـكـ.ـيـ.ــان الـمـؤقّـت”، ولم يقفوا على الحـيـاد، خوفًا على رؤوسهم، أو طمعًا بمكتسبات “دنيويّة”، بل آثروا الـمـوت على مـبـايـعـة الـظّـ.ـالـ.ـم، والـمـ.ـحـ.ـتـلّ، والـمـ.ـعـ.ـتـدي، فـقـ.ـاومـ.ـوا، وقـ.ـاتـ.ـلـوا، وبذلـوا أنفسهم وأموالهم، دفاعًا عن وطنهم وخيراته، ولم يـتـنـازلـوا عن حبّة تراب من أرضهم، أو نقطة ماء من بحرهم، ولم يـسـاومـوا على ذّرة من غازهم ونفطهم، أو على “ميلّمتر” واحد من حدود بلادهم.
إنّ الشّـ.ـيـ.ـعـة في لبنان إرهـ.ـابـ.ـيّـ.ـون حقًّا في عيون مَن لم يشتمّ عطر الكـرامـة والعزّة في ثرى بلاده، ومَن لم يأكل من خيرات أرضه، فاعتاد على “اللّقمة البرّانيّة”، وعلى “البترودولار” الـخـلـيـجـيّ والأموال “الـشّـيـنـكـريّـة”، وأدمـن على الـ.ـذّلّ، والخـ.ـضـ.ـوع، والانـبـطـاح، والـخـنـوع…
فليرحلوا، لأنّهم ليسوا بـخـ.ـونـ.ـة، ولا بـعـ.ـمـ.ـلاء، ولا بأذلّاء، ولا بـمـ.ـتـآمـريـ.ـن…
فليرحلوا، لأنّهم الأكرم، والأشرف، والأطهر، والأجمل، والأعظم، والأنظف، والأنقى…
فليرحلوا، لأنّهم يـفـضـحـون الـجـبـنـاء، والـمـنـبـطـحـيـن، والـمـتـخـاذلـيـن، والـمـ.ـطـ.ـبّـ.ـعـ.ـيـن؛ ويكشفون عـوراتـهـم الأخلاقيّة، والوطنيّة، والعروبيّة، والإنسانيّة…
فليرحلوا إلى دنيا المسيح ومحمّد وآله، حيث راية “هـيـهـات منّا الـ.ـذّلّـ.ـة” ترفرف فوق السّطوح والقمم الشّامخة، وليأخذوا معهم كلّ مـ.ـقـ.ـاوم حـرّ شـريـف، يأبى الـذّلَّ والهوانَ، ويُؤثِر مصارع الكرام على طاعة اللّئام.
فليرحلوا، وليأخذوا معهم قـ.ـادتـهـ.ـم، وشـ.ـهـ.ـداءهـم، وجـ.ـرحـ.ـاهـم، ومـ.ـجـ.ـاهـ.ـديـ.ـهـم، وأبـطـالـهـم، ومـ.ـقـاومـ.ـتـهـم، وصـمـودهـم، وإباءهم، وعـزّتـهـم، وكـرامـتـهـم، وعـنـفـوانـهـم…
فليرحلوا، وليأخذوا معهم مجد لبنان الّذي صنعوه بدمـائـهـم، وسواعدهم، وتـضـحـيـاتـهـم…
فليرحلوا…
سركيس الشّيخا الدّويهي