سياسة

الـشَّـرَف …

الوزير السابق جوزف الهاشم

لستُ أدري ، لماذا وردَتْ على خاطري كلمةُ الشرف ، وأنا أُفتِّـشُ عن الحلقةِ المفقودة في السلوك الإنساني الحضاري الذي انقلَبَ إلى وحشيَّـةٍ ضارِيَـة .
لعلَّني استخلصتُ أنَّ الشرف هو القانون الأسمى للمباديء الروحية والفضائل السياسية والأخلاقية عند الأفراد والدول والشعوب .
أوْ لعلَّني تذكّرتُ خطاباً للسيّد الشهيد حسن نصرالله في أول آب 2024 ، بعد اغتيال رئيس حركة حماس إسماعيل هنيّـة في إيران ، وقد قال فيه : “إنّ أخطر ما كان في هذا الإغتيال ، ليس فقط المساس بأمن إيران والمساس بهيبتها والمساس بأمنها القومي، بل إنّ أخطر الأخطر هو المساس بشرف إيران وقد كان المستهدَفُ في ضيافتها …؟
الشرف ، يعلو على سلطان السلطة والنفوذ السياسي والأمن القومي ، وشرفُ الضيافة من المعتقدات العريقة في تاريخ العرب ، حيث كانت القبائل العربية تُـوقدُ النار فوق المرتفعات بما يُعرف “بنار القِرى” حتى إذا رآها مسافـرٌ مِـنْ حيثُ كان يُدركُ أنّ القبيلة تدعوه إلى ضيافتها .
نحنُ في لبنان ، اشتهَرنا بشرف الضيافةِ والشِيَـمِ العربية الأصيلة ، فرحنا نستضيف الألوف من العرب والأجانب الضيوف ، حتى ولو كان ذلك بفعل النار التي أوقدَها غيرُنا .
من المفارقات ، أنّ في الحروب غالباً ما يكون الشرفُ حكْراً على الملوك ، أمّا الشعوب التي تعاني المجازر والتشّردَ والقهرَ والهَوانَ والـذلّ ، فليس مِـنْ حقّها أنْ يكونَ لها شرف .
هكذا ، عندما هُـزِمَ فرنسوا الأول ملك فرنسا في معركة “بافيـا” الإيطالية ، وأُسِـرَ في “مدريد” كتَـبَ إلى أُمِّـةِ يقول : “سيدتي لقد ضاع كلُّ شيء إلاّ الشرف والحياة …”
للمحافظة على شرفِ امـرأَةٍ : كان “جسر القاضي” الذي بنـاهُ القاضي الأمير عماد الدين حسن في منطقة المناصف في الشوف ، وسبب بناء هذا الجسر أنّ امـرأة راحتْ تجتاز النهر إلى جهـة المناصف ، وحين رفعتْ ثوبَها انكشفَتْ ساقُها حتى الركبة فرآها بعضُ العّمال وراحوا يتغامزون ، فغضب الأمير عماد الدين حسن وأمـرَ ببناء الجسر (1) .
وفي هذا الجسر قال الشاعر شحرور الوادي :
يا جسر من بين الجسور بتنعرفْ القاضي البنَاكْ الدهر في فضلو اعترفْ
من أجل مـرأة المـيّ بلِّتْ ساقها عمَّركْ حتى يحافـظ عَ الشرف .
من أجل المحافظة على شرف إمـرأة ، كان الأمير عماد الدين حسن يبني جسراً ، واليوم في زمـن أمـراء الحرب ، يُنْتَهكُ شرفُ الشعب وشرفُ الدين وتُهدَمُ الجسور ، ويعـمّ الشغور في القصور ، حتى ولو تعرَّتْ جميع النساء من أثوابها .
قرأْتُ أنَّ مبعوثاً إلمانياً أُرسل إلى سوريا في عهد النظام السابق ، فرأى أنّ تهريبَ المخدرات و”البنتاغون” يفوق إيرادات الدولة ، وقد راجَتْ المخدرات في إحدى القرى حتى أصبح تعاطيها يتـمّ بشراء الشرف النسائي .
عندما نفتقـدُ شرف النساء وشرفَ الحياء وشرف الحكم وشرف الولاء الوطني وشرف التاريخ ، لا يعود أمامنا إنقاذاً للشرف إلاّ التمثُل بقول المتنيّـي :
لا يسلمُ الشرفُ الرفيعُ منَ الأذى حتى يُراقَ على جوانبـهِ الـدمُ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – أوراق لبنانية : يوسف ابراهيم يزبك – الجزء الثاني ص : 253 .

عن جريدة الجمهورية
بتاريخ : 3/1/2024

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى