بلدة “شمع” أطفأت آخر شمعة لباحث إسرائيلي حاول تزوير تاريخها و”البستان” المدمرة كليا تناشد دول الخليج المساعدة في الإعمار لبصماتهم البيضاء..
بيروت – احمد منصور
من الواضح، ومن خلال الحروب الإسرائيلية المتواصلة، منذ إعلان كيانها في العام 1948، ان مشكلة اسرائيل هي مع التاريخ، التي تحاول أن ترسمه على هواها والبحث عن أوهام تاريخية وفق مزاعم وإدعاءات زائفة تسعى الى ترسيخها في أرضنا، عبر تزوير الحقائق وإلغاء تاريخنا، في محاولة لبسط النفوذ واعطاء شرعية لأحقية وجودها على أرضنا العربية، ومستهدفة حضاراتنا المتعددة .
ففي جنوبنا تختزن كل بلدة وقرية لبنانية، تاريخا طويلا لحضارات وعصور متعددة، والشواهد عديدة ومازالت قائمة، من صيدا الى صور والنبطية وأرنون وقانا وشمع وغيرها، فالقلاع والمقامات دلالة للحقبات المتعاقبة .
في بلدة شمع الجنوبية العاملية، التي تقع في قضاء صور، وتبعد 4 كلم عن الحدود مع فلسطين، وتعتبر منطقة استراتيجية مطلّة على ساحل الناقورة وقسما من شمال فلسطين، وتحدها شمالا بلدة المنصوري ومجدل زون، ومن الشرق بلدتي وطير حرفا الجبين شيحين، ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط، تاريخ طويل من العدوان الإسرائيلي عليها، وهي التي استمدت تسميتها من مقام النبي شمعون الصفا، أحد تلاميذ السيد المسيح المدفون في أرض البلدة، التي تضم أهم قلعة صليبية بنيت منذ 800 عام، في الجنوب مع إمتدادها الجغرافي..
هذه البلدة التي إمتدت يد اليها الإجرام والتدمير الإسرائيلية عبر التاريخ وتهدمت في الحرب الأخيرة بنسبة 75 بالمئة كما أكد رئيس بلديتها عبد القادر صفي الدين، ولها قصة طويلة مع الإحتلال الصهيوني، وكشفت عن نواياه الخبيثة من خلال زيارة الباحث الإسرائيلي زيف ايرلتش باللباس العسكري الى مقام وقلعة البلدة، للتفتيش عن أرض اسرائيل وتزوير الحقائق، فكان أن لقي حتفه في البلدة، حين أطفأ حماة الأرض آخر شمعة من حياته على أرض شمع، وكما شكلت صدمة كبيرة للإحتلال حيث كشفت مخططاته .
واشار صفي الدين الى حوالي أن شمع “تعرضت للدمار والخراب، بفعل كثافة وضخامة غارات الطيران الحربي الإسرائيلي”، ولفت الى ان “جنود الإحتلال، أكملوا على ما تبقى من منازل خلال دخولهم البلدة أيام الحرب الأخيرة، بأعمالا التفجير والنسف للمنازل الأخرى .”
وإذ أكد ان جنود الإحتلال الإسرائيلي، الذين إنسحبوا منذ يومين من البلدة”، خلفوا آثارا وأضرارا كبيرة في منازل البلدة ومرافقها..”، وقال:” نحن في إنتظار أن يسمح لنا الجيش اللبناني من دخول البلدة بعد تنظيفها من رجس الإحتلال ومن القذائف والقنابل والألغام قبل دخول الأهالي، ولكن هناك 75 بالمئة دمار كلي ونسبة الـ 25 الأخرى دمار جزئي، لا سيما وان جنود الإحتلال دخلوا تلك المنازل وأحرقوها بمواد حارقة، وهذا الأمر يتطلب كشفا هندسيا على وضع اساسات تلك المنازل، وعما اذا كان هناك من امكانية لترميمها وتأهيلها وصالحة للسكن .”.
وأضاف ” المقاومة كانت بوجههم شرسة في شمع، التي دخلوها جراء استخدام آلة التدمير والإبادة من مختلف الصواريخ والطائرات، ولكن للأسف بعد إتفاق وقف اطلاق النار، قاموا جنود الإحتلال بتفجير بعض المنازل، حيث تمركزوا في بلدة طيرحرفا، وكان يتوغلون في البلدة ساعة يشاءون .”
وتابع رئيس البلدية “شمع لها جذور عبر التاريخ حيث، يوجد فيها مقام للنبي شمعون الصفا أحد اوصياء سيدنا المسيح، بالإضافة الى قلعة صليبية، ونحن نعتز ونفتخر ببلدتنا، وفيها قتل باحث إسرائيلي ايام الحرب، الذي كشف حضوره الى البلدة زيف الإدعاءات والمزاعم الإسرائيلية والمخططات والأهداف الصهيونية التوسعية”، مؤكدا على “التمسك بتاريخ شمع وتراثها، التيعانت على مر السنين من الإحتلال الإسرائيلي، وتعرضت في حرب يوليو 2006 للدمار، ومن ثم أعيد إعمارها، واليوم سوف نعيد إعمارها من جديد مهما كان حجم الدمار والتضحيات .”
وشدد على التمسك بالأرض، واإاصرارنا على العودة”، وقال :”لو سمحوا للأهالي الدخول البلدة، لكانوا اقاموا على ركام بيوتهم الخيم، فهذه هي عقلية ابناء الجنوب، ونحن في انتظار انتهاء فوج الهندسة من الجيش اللبناني من تنظيف البلدة من مخلفات الاحتلال العسكرية، ولا يمكننا ان ندخل الا بقرار من الجيش اللبناني،”، مبديا ألما كبيرا للدمار، معتبرا ان الاسرائيلي انتقم من المنازل والطرقات والشجر شجرة الزيتون والتين والليمون ، فلم يسلم شيء في بلداتنا من حقد الاسرائيلي .”
من جهته لفت أيضاً رئيس بلدية البستان في قضاء صور عدنان الأحمد، الى “أن بلدته التي تضم 300 وحدة سكنية، عدا المؤسسات ومبنى البلدية والمدرسة والمركز الزراعي ومعصرة الزيتون، مدمّرة دمّرها العدو بالكامل، ولم يتبق فيها حجر على حجر، حتى أنهم أحرقوا الأحراج وكروم الزيتون .”
وأضاف”خلال فترة الحرب بقي 9 اشخاص من أهالي البلدة، لحين انسحاب الجيش اللبناني منها، وفي سبتمبر وقعت الحرب الكبرى، وكان هناك إنذارات فلم يتبق احد، بعدها دخل العدو الى البلدة ودمّرها، بدءا بالغارات ثم التفجيرات والجرف، حيث فجروا المنازل والمسجد والمدرسة والمركز الزراعي والمعصرة والآبار الإرتوازية ومبنى البلدية والحديقة العامة التي تحتوي ايضا على مبنى .”
وتابع ” لقد كان في نية العدو من خلال القصف بالدرجة الأولى اقامة منطقة عازلة على الحدود، ولكن عندما لم يتحقق لهم ذلك، كثفوا انتقامهم، ليجعلوا الناس تفكر ألف مرة بأن اي شيء يحدث تجاه الكيان الإسرائيلي هذا هو مصيره، إنه درس انتقامي .”
وقال:” ان الأهالي عازمو، بأنه عندما يصبح هناك مجال للعودة، سيعودون فورا حتى ولو بنوا خيما في ارضهم، او يصفون الحجارة ويبنون حتى ولو غرفة، لأنهم متمسكين بأرضهم ولديهم نية العودة حتى ولو عاشوا في كوخ، ولن يتركوا بلدتهم مهما كانت الظروف صعبة عليهم .”
ومقابل ذلك، أشار رئيس البلدية الى “ان هناك تخوف من الخروقات، لأن الإسرائليين لا يلتزمون بالقرارات الدولية والإتفاقات، فإسرائيل التي قامت بإبادة جماعية، لا يمكن ان تأخذ التزاماتها على محمل الجد، هذا العدو لا يؤتمن .”
واردف: “البلدة تعتمد على زراعة الزيتون والتبغ والحبوب والحمضيات والأشجار المثمرة.”
وإعتبر الأحمد “ان بلدته والقرى المجاورة ظلمت كثيرا في الحروب، اذ ان التعويضات في السابق لم تكن بالقدر المطلوب”، وقال:” لذلك نحن اليوم نعوّل على الدول العربية، ونناشد الأشقاء العرب إعادة إعمار قرانا، وكذلك مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسهم ولي العهد المملكة العربية السعودية محمد بن سلمان، ودولة الكويت وقطر لما لهم من أيادي بيضاء، ودور ايجابي وانمائي واعماري في لبنان على مر السنين “.
وقال :”نتمنى ان تقوم دول العرب باعادة اعمار قرى العرب في جنوب لبنان، ولا سيما دول الخليج “.
وختم: “نحن منذ العام 1948 وحتى اليوم نعاني من سلسلة اعتداءات ونسف البيوت وخطف الشباب . كما اننا عام 1977 تعرضنا لتهجير كلي، ودمرت البلدة ثلاث مرات وهذه السنة هي المرة الرابعة، حيث دمرت كليا، نحن نواجه حرب إبادة، ولكن ان شاء الله سنعيد اعماره بلدتنا ونعود اليها .”