“فانا” عمم النشرة الصحية لـ”لوكالة الوطنية للاعلام”: وزارة الصحة العامة في لبنان عام 2024: أداء تميز باستيعاب التداعيات الصحية الكارثية للحرب
عمّم اتحاد وكالات الأنباء العربية (فانا)، ضمن ملف النشرة الصحية، تقريرا لـ “الوكالة الوطنية للاعلام”، أعدته الزميلة كلودي أبي حنا، جاء فيه:
رغم الأثقال الكثيرة التي نتجت من الحرب القاسية الأخيرة، التي تمثلت بأكثر من ستة آلاف شهيد بحسب مراكز بحثية و16638 جريحًا بحسب وزارة الصحة العامة، ونحو مليون ومئتي ألف نازح، استمر القطاع الصحي خلال الحرب في تقديم الخدمة الطبية العاجلة التي تطلبتها الأحداث الدامية للمصابين في مناطق النزاع، كما في تقديم الدعم والخدمة الصحية لمئات آلاف النازحين قسرًا عن بلداتهم وقراهم في مناطق النزوح ومراكز الإيواء.
كان التحدي كبيرا في ظل تتالي الاعتداءات وتراكمها على القطاع الصحي، وقد بلغ عدد شهداء القطاع جراء الاعتداءات الإسرائيلية، بحسب وزارة الصحة العامة، 222 شهيدًا و330 جريحًا وتم استهداف 40 مستشفى في 67 اعتداء ما اضطر 7 مستشفيات الى الإقفال قسرًا، كما أقفل 56 مركز رعاية أولية من بينها 33 مركزًا تضررت كليا في مناطق كانت تتعرض للاستهداف المركز.
إلا أن قساوة الحرب وتركيز الاستهدافات لم تشكل عائقًا أمام فاعلية المهمات الصحية، حيث أظهرت وزارة الصحة العامة في لبنان أداء مرنًا مكّنها من أن تتعامل بفاعلية مع تداعيات الحرب ونتائجها رغم ضآلة الموارد وشحها، إذ إن لبنان لا يزال غارقًا في خضم أزمة مالية قاسية مستمرة منذ انفجارها عام 2019.
يؤكد وزير الصحة السابق الدكتور فراس الأبيض في حديث إلى “الوكالة الوطنية للإعلام”، أن “عدم تشتّت مهمات النظام الصحي وفقدانه الفاعلية تحت وطأة العدوان يعود إلى وضع خطة استراتيجية مسبقة للحرب كان الجزء الأساسي منها مدرجًا في الاستراتيجية الوطنية للصحة – رؤية 2030 التي تم اعلانها في كانون الثاني 2023 وتضمنت إنشاء مركز عمليات طوارئ للأمور الصحية. وعندما اندلعت الحرب كان المركز جاهزًا وتم افتتاحه في اليوم التالي أي في التاسع من أكتوبر 2023. وقد تولّى هذا المركز تحت إشراف وزارة الصحة العامة القيادة ووضع الاستراتيجية المسبقة للحرب فكانت ردة الفعل منظمة على أساس منهجي”.
ويوضح أن “مركز عمليات طوارئ الصحة شرع فور بدء حرب الإسناد في تحضير المستشفيات وتدريب5 آلاف طبيب وطبيبة وممرض وممرضة وعامل صحي وإسعافي على كيفية التعامل مع الأحداث الصحية الطارئة، وكيفية التنسيق بين الوزارة والمستشفيات والفرق الإسعافية لاستقبال الأعداد الكبيرة من الإصابات بحيث يتم توجيه كل إصابة إلى المركز الصحي المناسب للحصول على العلاج الذي تحتاج إليه”.
بالفعل، بدا أن هذا التنسيق محوري في التعامل مع الأحداث لأنه أمّن معالجة كل المصابين بأفضل خدمة ممكنة، وأزال مسألة تمركز الإصابات في مستشفيات محددة، وهو ما كان سيؤثر على فاعلية الخدمة ويشكل عاملا إضافيا من التوتر.
وفي هذا المجال، يلفت الأبيض إلى أن “أهمية التنسيق وتوزيع المهمات ظهرت خصوصًا في خلال اعتداء البايجر حيث نجح التنسيق بين 90 مستشفى و1200 سيارة إسعاف في استيعاب ما يزيد عن 3500 جريح أصيبوا إصابات بالغة في الوقت نفسه، فضلا عن أن هناك من أتوا إلى الطوارئ وعولجوا مباشرة قبل أن يغادروا إلى مقرات إقامتهم”.
الاستجابة لنزوح شمل مئات الآلاف في وقت قياسي
كانت الإستراتيجية الوطنية للصحة – رؤية 2030 قد ركزت على برامج الرعاية الصحية الأولية، وقد أدت هذه البرامج دورًا رئيسيًا في الاستجابة للإيواء والنزوح حيث نزح حوالى 800 ألف شخص في غضون ثلاثة أيام على الأكثر ما رفع العدد الإجمالي للنازحين بسبب الحرب إلى مليون ومئتي ألف نازح، مع ما يحتاجون إليه من خدمات صحية وطبية خصوصًا إذا ما كانوا من المصابين بأمراض مزمنة ويحتاجون إلى علاجات محددة.
ويلفت الوزير السابق الأبيض في حديثه إلى أن “وزارة الصحة العامة تمكنت من توزيع مليوني علبة دواء على مراكز الإيواء والرعاية الأولية المنتشرة في المناطق اللبنانية المختلفة، في غضون عشرة أيام. وبدأت متابعة النازحين من خلال 20 فريقًا طبيًا نقالا، وسرعان ما تم رفع العدد في خلال فترة ثلاثة أسابيع إلى 250 فريقًا نقالا. وكان تأمين علاج أكثر من 500 مريض غسل كلى الأمر الأكثر أهمية في هذا السياق. فلو لم تكن هناك استعدادات مسبقة لتأمين غسل الكلى في المناطق التي صُنفت بأنها ستكون مناطق إيواء ونزوح، وتحولت إلى ذلك بالفعل، لما تم استيعاب المرضى ومدّهم بالعلاج اللازم. وهذا الأمر حصل كذلك بالنسبة إلى مصابين بمرض السرطان حصلوا على علاجاتهم في أماكن نزوحهم”.
ويوضح الأبيض أن “خطة الاستعداد التي عملت عليها الوزارة مع مستوردي الدواء والمستودعات كانت ناجعة جدا لأنها أمنت مخزونًا استراتيجيا للدواء فلم تبرز حاجة في السوق رغم الحصار الذي تم فرضه على مطار رفيق الحريري الدولي من جهة وتوقف حركة شركات الطيران عدة من الهبوط في المطار من جهة أخرى، إذ بقيت الشركة الوطنية الميدل إيست وحدها العاملة في حركة الطيران. وبالتنسيق مع الميدل إيست وفي ضوء الإعداد الجيد للمخزون، لم يحصل أي انقطاع بالدواء بل إن المخزون الموجود بعد انتهاء الحرب يكفي حاجة لبنان لمدة خمسة أشهر”.
يختصر الأبيض كل هذا المسار بالقول: “إن وزارة الصحة العامة لم تتعامل مع الحرب التي شُنت على لبنان كردة فعل، بل استنادًا إلى خطة استراتيجية أساسية نتجت منها خطة استراتيجية أخرى مخصصة للحرب”.
كانت الوزارة قد لحظت في خطتها الاستراتيجية 2030 مسألة الحاجة إلى الطوارئ التي قد تكون حربًا أو أي أزمة أخرى مفاجئة كالكوارث الطبيعية، لذلك تمكنت من تطبيق غرفة الطوارئ بشكل فوري وعملت طيلة فترة التوتر التي سادت خلال حرب الإسناد وسبقت توسع الحرب على وضع خطة شاملة مخصصة للحرب بالتعاون مع كل أفراد النظام الصحي من مستشفيات ومراكز رعاية وهيئات إسعافية دولية ومحلية. وتم تنفيذ هذه الخطة على الأرض بشكل دقيق، ما أتاح الابتعاد عن ردود الفعل العشوائية وغير المنظمة والاستناد إلى خطة عمل فعالة.
2024 عام مفصلي لتأمين أدوية السرطان
شكل العام 2024 أيضًا عامًا مفصليًا بالنسبة إلى برامج أساسية في وزارة الصحة العامة لم تحدّ الحرب من إيلائها الاهتمام اللازم. أبرز هذه البرامج مكافحة السرطان التي تم إدراجها كذلك في سياق خطة وطنية خمسية أطلقت في آب 2023 من ضمن رؤية الاستراتيجية الوطنية للصحة 2030، وذلك في سعي دؤوب لتقليص أعداد المصابين بهذا المرض الذي يتزايد انتشاره في لبنان وتقديم أفضل العلاجات لهم. وأبرز ما تم تحقيقه في هذا المجال إجراء وزارة الصحة العامة مناقصة كانت الأولى من نوعها وجمعت كل الجهات الضامنة الرسمية لشراء أدوية الأمراض السرطانية والمستعصية الباهظة الثمن التي يبدأ سعرها من مئتي دولار ويصل إلى آلاف الدولارات.
ساعدت هذه المناقصة على تخفيض أسعار الدواء بنسبة 38% مقارنة بأسعار المناقصات السابقة التي كانت تحصل، ما أدى إلى تأمين المزيد من الأموال لشراء المزيد من الأدوية. وبات بإمكان اللجنة العلمية التي ترعى البروتوكولات أن توسع مروحة الخدمات والعلاجات وتنغطية حالات لم تكن مغطاة في البروتوكولات الموجودة. وبموجب هذه الجهود باتت مستودعات وزارة الصحة العامة تحتوي في الوقت الراهن على أدوية سرطان تكفي على الأقل لمدة خمسة أشهر مقبلة. وهذا الأمر يحصل للمرة الأولى بما يكفل استمرارية تأمين الدواء للمرضى الذين يعالجون بحسب البروتوكولات المتبعة. كما أنه بموجب العمل المستمر لفريق عمل الوزارة على مدار أيام الأسبوع، باتت عملية تسليم الأدوية منتظمة والتأخير في تسليم الدواء أقل بكثير من السابق.
ويقول الوزير الأبيض في هذا المجال: “إن ما حصل في موضوع أدوية السرطان هو إنجاز يتحقق للمرة الأولى وخصوصًا أن الوزارة عمدت إلى ترشيد استخدام الدواء والحد من الهدر والتخزين والتهريب من خلال المكننة التي أرستها في آلية تسلم الدواء وتوزيعه. والدليل أن لا اعتراضات تُسمع للمرضى خلافا لما كان عليه الوضع قبل سنتين وخلال انفجار الأزمة المالية”.
كذلك يتم التحضير لبرامج مؤسسية إضافية من خلال حصول لبنان على منح من بنك التنمية الأوروبي والبنك الدولي لتمويل المختبر المركزي وتوسيع برنامج الترصد والاستجابة للأمراض الانتقالية وبرنامج الصحة الواحدة بين وزارتي الصحة والزراعة مع منظمة الصحة العالمية”.
ويرى الأبيض أن “الاستجابة للأزمات لم تكن مجرد إدارة لها، بل قامت وزارة الصحة العامة بإصلاح للنظام الصحي من خلال وضع الاستراتيجية الوطنية للصحة – رؤية 2030 والعمل على تطبيق البرامج الواردة فيها بكل جدية”.
ويلفت خاتمًا إلى “لبنان مرّ ولا يزال يمرّ في ظروف قاسية، لكن العمل السليم والاستعداد والتدريب ساعدت على استجابة جيدة للأزمات المتتالية، وأمام الحكومة الجديدة ووزارة الصحة قاعدة صالحة للبناء عليها من خلال استكمال تنفيذ الخطة الاستراتيجية الموضوعة”.