ما حقيقة ما يجري من تنسيق فرنسي _ سعودي
طغى الكافيار الإيراني على العطر الفرنسي، فعطّلت طهران عبر وكيلها في لبنان “حزب الله” المبادرة الفرنسية، فردّ الرئيس ايمانويل ماكرون متهماً، وبصراحة متناهية، “الثنائي الشيعي” بتعطيل مبادرته، واتّهم “حزب الله” بالاسم عبر تدخّله بالحرب السورية، إلى تهديده اللبنانيين بسلاحه. وبالتالي، تماهى موقف سيد الإليزيه مع ما أشار إليه منذ أيام قليلة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، عندما دعا إلى تجريد “حزب الله” من سلاحه، متّهماً إياه بالتسبب بانفجار مرفأ بيروت ، ووصفه بـ “الحزب الإرهابي”، ما يطرح تساؤلات عمّا إذا كنّا أمام إعادة “شدشدة” براغي المبادرة الفرنسية من خلال تفعيل التنسيق بين باريس والرياض وواشنطن، لا سيما وأنّ ماكرون وصل إلى مكان ولّد لديه قناعة بضرورة تغيير التعاطي مع الزعامات والرؤساء في لبنان، حتى وصل به الأمر إلى نعتهم بـ “الخَوَنة”.
وبالعودة إلى التنسيق بين السعودية وفرنسا بعد ما كُشف عن اتصال جرى بين الرئيس الفرنسي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، فذلك يعود الى ما سبق ان اوردته منذ أيام، كاشفةً سلبية وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، بعد تمنيات روسية بأن تقوم طهران بدور لدفع “حزب الله” إلى الإفراج عن الحكومة اللبنانية.
في هذا الإطار ، أنّ جملة عوامل وظروف تقاطعت مؤخّراً كان لها الأثر الأبرز في ضرب المبادرة الفرنسية، ولا سيما دور طهران، ما أكّد عليه أمس موقف الخارجية الإيرانية، عندما دعا إلى عدم التدخّل في الشأن اللبناني، وذلك كردّ على اتهامات ماكرون لـ “الثنائي الشيعي”، وتحديداً “حزب الله”، وتعطيله مبادرة ماكرون، في ظلّ معلومات تنحو باتجاه استمرار إيران في لعب دور محوري على الساحة اللبنانية عبر “حزب الله” لتصل إلى ما تريده من فرملة أو وقف العقوبات الأميركية والدولية عليها وعلى الحزب، وعودتها إلى طاولة المفاوضات مع الأميركيين . بمعنى أنّها تسعى إلى فرض شروطها من على الساحة اللبنانية التي تستعملها كورقة ضغط وتناور من خلالها، حتى أنّ ثمة معلومات يردّدها ممثّل أحد المراجع السياسية اللبنانية في موسكو نقلاً عن مسؤول الخارجية الروسية لشؤون الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف، تفضي إلى أنّ إيران لن تقبل بالمبادرة الفرنسية، وأوعزت لـ “حزب الله” بتعطيلها بكل الوسائل المتاحة.
أما ماذا بعد، فتردف المصادر مشيرةً إلى أنّ الأسابيع القليلة المقبلة، أي خلال المهلة التي حدّدها ماكرون لولوج الحلّ، ستكون صاخبة سياسياً وأمنياً واقتصادياً مع عودة الدولار إلى الارتفاع والانعكاس السلبي لذلك على حياة المواطنين اليومية، ما سيعيد حراك الشارع، حيث ثمة أجواء عن آليات جديدة سيلجأ إليها الحراك من خلال اجتماعاته المفتوحة، والتي ستكون صاخبةً وعنيفةً بعدما كشف الرئيس الفرنسي المستور، بحيث لم يعد لأحد ما يخسره، لافتةً إلى ما يحصل اليوم على خط عودة مسلسل الإرهاب . وذلك أيضاً تطرّقت إليه منذ أسابيع من خلال تقاطع معلومات أمنية وديبلوماسية وسياسية عن وجود خلايا نائمة، منها من سُمح لها الفرار من سوريا وتوزّعت ما بين بعض المخيمات الفلسطينية في لبنان ومناطق نائية في الشمال وسواه، وليس صدفةً ما يجري اليوم من تفشيل للمبادرة الفرنسية وإيقاظ هذه الخلايا، إلى ما سبق ذلك من زيارة القيادي في “حماس” اسماعيل هنيّة ولقاءاته المفتوحة مع قادة “حزب الله” وأطراف أخرى حليفة لإيران وللنظام السوري.
وعلى صعيد آخر، وفي صدد التواصل السعودي – الفرنسي وما سيرسو عليه، وتحديداً بشأن الوضع اللبناني، تؤكّد المصادر نفسها، أنّ المملكة العربية السعودية، ونقلاً عن مصدر ديبلوماسي رفيع أنّ مواقفها أثبتت صوابيتها من خلال الكلمة الأخيرة للملك سلمان حول لبنان، ودور “حزب الله” الذي قوّض الدولة اللبنانية عبر سلاحه، ولكنّ المحسوم أنّ المملكة لن تتدخّل في مسألة التكليف أو التأليف، أو حتى ما يرتبط بالشؤون اللبنانية الداخلية، ولكنّها على تنسيق وتواصل مع واشنطن وباريس وموسكو وكل الدول المعنية بالوضع اللبناني بغية إنقاذه، وثمة اتصالات بالغة الأهمية تجري بعيداً عن الأضواء لهذه الغاية، خصوصاً وأنّ هذا البلد العزيز، كما يقول المصدر السعودي، يعيش أوضاعاً في غاية الخطورة والدقّة، وبات من الضرورة بمكان مساعدته، وهذا ما قامت به السعودية في العام 1976 من خلال اللجنة العربية التي أنتجت القمة العربية في الرياض، وصولاً إلى مساعٍ في الثمانينات، وفي كل المحطات، إلى أن جاء الطائف، واليوم، المملكة لا تتوانى عن مواصلة دورها الطليعي، وإنّما ليقرأ الجميع مداخلة الملك سلمان التي كانت بمثابة خارطة طريق لتشخيص الوضع في لبنان، والأمر عينه لما كشفه الرئيس الفرنسي عن الجهة التي عطّلت وعرقلت الحلّ فيه، متسائلاً كيف يمكن للدول المانحة أن تدعم لبنان؟ فلا حكومة إصلاح، والعهد ينضوي ضمن المحور الإيراني ومتحالف مع “حزب الله”، إضافةً إلى أنّ هذا الحزب يحكم بسلاحه، فهذه العناوين كلها ستكون مدار بحث من خلال الدول التي ستساعد هذا البلد ليبنى على الشيء مقتضاه.