أخبار إجتماعية

الذكرى ال31 لرحيل الدكتور حسن صعب : الوطن يفتقد حكمتك وفكرك …..

كتب المنسق الإعلامي لمؤسسة حسن صعب للدراسات والأبحاث، محمد ع.درويش بيانا بمناسبة الذكرى ال 31 لرحيل الدكتور حسن صعب وجاء فيه :

حسن صعب : نظامنا يحتضر والثورة التي أريد إنمائية
النظام السياسي والإجتماعي : نظامنا السياسي والإجتماعي هو الآن في حالة احتضار. والبديل الأفضل له في اعتقادي هو النظام الديموقراطي الإشتراكي وفقا للنموذج الإسكندينافي، لأنه يقوم على كرامة الشخصية الإنسانية، ويوفق بين الحرية والعدالة، ويصون المبادرة الفردية الخلاقة والمشاركة المجتمعية العادلة، ويقيم التوازن الواجب بين مسؤولية الدولة وحرية الفرد. وهو في اعتقادي الطريق الأفضل والأسلم لتجاوز التخلف الى التقدم. وهو، مكيفاً تكيفاً إبداعياً مع حاجات الإنسان في لبنان، طريقنا الى ديموقراطية حقيقية بديلة للديموقراطية الإسمية التي تلفظ أنفاسها الآن.
درويش : تحل علينا الذكرى ال 31 لرحيل “أبو الإنماء” الدكتور حسن صعب، ولبنان بأسوأ أوضاع حياتية يعيشها المواطن … “فقدان الأمن والأمان والأستقرار”. وجرح مرفأ بيروت مازال ينزف بإنتظار العدالة، والشعب الموجوع يترقب ولادة حكومة تعطي جرعة أمل وتفاؤل. وماذا بعد ؟!
بغيابك د.صعب مررنا بلبنان بمحن كثيرة وكبيرة وما زلنا نتخبط بهذه المحن من إنفجار مرفأ بيروت المأساوي، إلى هبوط العملة الوطنية، الى انقطاع البترول على أنواعه، الى انقطاع الأدوية وغلاء الأسعار.قطع طرقات وصرخات احتجاج.هل يسمع السياسيون !!
وأصبح المواطن اللبناني يعيش على “التقنين” بل ليس فقط في الكهرباء، بل أيضاً بالمحروقات والخبز والدواء والسلع وحتى بماله.
إنهارت العملة الوطنية والكهرباء الى الإنقطاع، استنزاف أموال المودعين، تعطيل تشكيل الحكومة، والمؤسف مازالت الطبقة السياسية تنظر في مكان آخر، عين على أسيادهم في الخارج، وعين أخرى على حساباتهم المصرفية، وغير آبهة بمصير شعب بأكمله يعاني من أسوأ أزمة في تاريخ البلد، فقد صنف البنك الدولي الأزمة في لبنان من ضمن الأزمات الثلاث الأكثر حدة المسجلة في العالم منذ أواسط القرن التاسع عشر، الى جانب أزمة تشيلي في عام 1929 وأزمة إسبانيا في الحرب الأهلية (عام 1931) يفهم من تقرير البنك الدولي ان الأزمة الحالية أسوأ مما كانت في الحرب (1975-1990).
د.صعب لقد كنت المدافع عن كل حق وكل مظلوم، وكنت سيف الحق في وجه الحاكم والظالم.
عندما يرتحل الكبار يتركون جروحاً عميقة لا تندمل في ذاكرة الفرد والجماعة، التي تفتقد اليوم رموزاً من أوزان قوية، تعيد ضبطها، وتثبت حركتها في ظل أوضاع معقدة، عنوانها الفوضى في الشعارات والعناوين واغتراب يعيشه الواقع بعيداً عن روح مفاهيمه الأصلية.
د.صعب “تأتي ذكراك في هذا العام، والوطن يفتقد حكمتك وفكرك، والوطن في أمس الحاجة إلى مواقفك ورؤاك، لقد أيقظت في المواطن إرادة الحياة ضد الخوف والجوع وأشعلت إرادة الحرية في مواجهة الطغيان والإستبداد. وأطلقت فينا إرادة الإنتصار لدولة الإنسان، سوف نبقى معك في تطلعاتك إلى بناء هذه الدولة دولة الإنسان، دولة المواطنة في مواجهة هذا النظام الطائفي الذي بلغ ذروة أزمته بوصول لبنان إلى إنهيار مالي غير مسبوق نهب موارد البلد وسرق مدخرات المواطنين”. وبات هم المواطن اللبناني الوحيد تأمين لقمة عيشه في ظل الإرتفاع الجنوني للأسعار وعدم ثبات سعر صرف الدولار. ومن جهة اخرى، يعيش المواطن في قلق شديد حول مصير استعادة امواله من المصارف.
واضاف درويش : في ذكرى رحيل حسن صعب كم تحتاج ذاكرتنا الى حوافز ومنشطات من إيحاءاته واشراقاته الفكرية والروحية.
فعندما يرحل الكبار أمثالكم لا بد لكلامهم وآثارهم ان تحفظ بالانفتاح عليها والتفاعل معها، فهم ذاكرة الوطن النظيفة، والوطن اليوم يحتاج الى نظافة العقل ونظافة الفكر ونظافة الكف ونظافة الشعور على الصعد كافة.
د.صعب كان بالنسبة الينا نحن الشباب الأب الروحي والموجه والمربي والباعث فينا الحياة، وراعي طموحاتنا وآمالنا وأحلامنا ومستقبلنا.
لقد كان حسن صعب رؤيوياً في فكره، لم يخضع في قراراته ومواقفه للأمر الواقع، ولم يحصر فكره بالزمن الذي عاش فيه، كان مستقبلياً يرى في المستقبل سعة ورحابة ومحط طموحاته ومنهل أفكاره التي قد لا يستطيع الواقع المتخلف هضمها أو تحملها.
حسن صعب أيها العربي الفاهم لجدية الترابط بين الهوية اللبنانية والهوية العربية عمل من منطلق هذ الفهم.
ومن إدراكه لأهمية التواصل بين الإسلام والمسيحية الذي منح لبنان صفة “الوطن القدوة.. المصفى الإبداعي للوحدة في التنوع، في التمدن العربي والتحضر الإنساني” والذي استفاض في الإضاءة عليه في بنائه الفكري “الإسلام وتحديات العصر”.
حسن صعب أيها الكبير في العلم والوطنية مازال الوطن يئن من وطأة جراح الحروب.
حسن صعب أيها العقلاني المترع برحيق الإنماء والمحبة لكل إنسان ولكل الإنسان، مازال إنسان الوطن يزداد عطشاً وجوعاً ويفتش عن مسكن وغذاء ودواء.
حسن صعب أيها المبشر بالحرية وداعية الإستقلال والوحدة، يا إمام الحكمة، أيها اللبناني الفذ، أيها المسكون بهاجس المستقبل، أيها المسلم المتنور المتفهم تحديات العصر، إن منابر بيروت مشتاقة إلى كلماتك المضيئة، وإن ندوات الثقافة والهيئات المتعاونة وفية لرسالتك ولبنانك وعروبتك وإسلامك ستبقى هي النبراس وهي البوصلة.
كان حسن صعب يرى ان القيم الأخلاقية هي عنوان كل الأديان، وكان يرى فيه منطلقاً للحوار، لكنه لطالما حذر من ان تضيع في المتاهات الطائفية. فقد كان يرى أن الطائفية ليست ديناً، هي تجمع بشري بعنوان الدين ، هي مرض لبنان، فمنها تنبعث شرارة تهديد السلم الأهلي، ومنها تنبعث المحاصصات وعمليات نهب المال العام، وبها يحتمي الزعماء الفاسدون وحاشيتهم من العقاب، وبسببها تنطلق التحالفات مع الخارج على حساب الوطن. وفي مواجهة ذلك كان يريد ان يؤنسن الوطن، ليعيش الإنسانية في علاقات ابنائه وطوائفه بعضهم ببعض، فدعا الى دولة المواطنة، دولة الإنسان على حساب النظام الطائفي.
لقد تحدث حسن صعب كثيرا عن ضرورة مواجهة ومحاربة الفساد الذي يتلطى خلف الشعارات الطائفية ويستفيد من مناخاتها، حتى كاد يتحول الفساد الى ثقافة عامة.
وكان صعب يحذر من ان ينجح الفاسدون في مواجهة اي حركة اصلاحية، فيقول : “ان كل حركة لمواجهة الفساد الداخلي لن يكتب لها النجاح اذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه في هذه الحمى المذهبية والطائفية التي يسهر الكثيرون على حمايتها ورعايتها، على حساب البلد وأمنه الإجتماعي والسياسي ومستقبل أجياله.
في الإسلام : كتب حسن صعب : في كتبه الثلاثة : “إسلام الحرية لا إسلام العبودية” و”الإسلام وتحديات العصر” و”الإسلام والإنسان” وكأني به يصرخ وبأعلى صوته : “بأن توحيد الله، هو تحرير للبشر، من كل ما يفرقهم !!
لأن الله سبحانه وتعالى، هو المحرر الأول والآخر، فلما لا يتلازم المفهوم القرآني هذا، من منطلق النظرة التوفيقية، التحاورية، الشمولية بين الديانتين العظيمتين، على أساس أن المؤسسة الإسلامية حوارية!! بدليل مجادلتها أهل الأديان والفلسفات والإيديولوجيات، بالتي هي أحسن، خصوصاً وأن رسالة المسيحية والإسلام، غايتها : إيقاظ وعي الإنسانية بالخالق العظيم، المتخلق في نظامية الكون وغائيته، وتحرير الإنسان، تحريراً شاملاً، متسائلاً أفلا لبنان! هو الملتقى الفريد للمسيحية والإسلام والتجسيد الحياتي الخلاق لتلك الرسالة ؟؟
بهذا المنطق الحواري البناء ألسنا اليوم بحاجة كأمثال الدكتور حسن صعب ؟؟
وتابع درويش قائلاً : نسأل بمرارة منذ متى كان الإذلال نمط حياة اللبنانيين ؟ فيتسولون في الشوارع، ويبكون من العوز، وينتحرون من الجوع ؟ ويموتون بسبب انقطاع الدواء، وهل لبنان العقل والفكر والإبداع والنبوغ والنهضة يحجم ويحوّل الى ملكية خاصة تصادره طبقة سياسية وتتصرف به على حساب المصلحة العامة ؟ أيريدون لهذا المواطن ان تركعه لقمة الخبز ؟ لا، فكما أنه لم يركع أمام أي إحتلال، لن يركع اليوم. والمواطن لن يسكت على ما يجري.
وختم درويش قائلاً :
وفيما يفصلنا أقل من اسبوع عن الذكرى السنوية الأولى لإنفجار مرفأ بيروت المأساوي في 4 آب، نتمنى إجراء تحقيق عادل ونزيه وشامل وشفاف، “إن عائلات الضحايا وكذلك الآلاف الذين تغيرت حياتهم للأبد بسبب ذلك الإنفجار مازالوا ينتظرون، لأنهم يستحقون العدالة والكرامة.
د.صعب نقف جميعنا اليوم لنعاهدك من خلال وجع ومعاناة شعبنا من العوز والحرمان، وكذلك “الصعوبات الإجتماعية والإقتصادية والمالية والسياسية المتعددة والمتراكمة في البلاد وتأثيرها على الناس”، ناهيك عن جوائح سلالات وباء الكورونا المتحورة التي حصدت أحباء وأعزاء ، يبقى الأمل في قلوبنا لنصل الى بر الأمان.
وندعو القيادة السياسية أن يتعرفوا على الرحمة كي يرحمهم الله العلي القدير ومنه الشعب والتاريخ فيما بعد. ونناشد المعنيين إلى التضحية بالأنانيات والأحقاد والمصالح الشخصية لإنقاذ وطننا لبنان.
ونرجو من الله عز وجل ان يحفظ لبناننا الحبيب من الإنهيار المتسارع ويعجل بإنهاء ادوار القيادة السياسية الفاشلة وإطلاق مسيرة التغيير نحو دول المواطنة.
د.صعب ادع من عليائك، لنا وللوطن، بالخلاص من كوابيس هذه النكبات المتتالية، والتخلص من هذه المنظومة الحاكمة التي أوصلت البلاد والعباد إلى جهنم وبئس المصير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى