مليار و200 مليون دولار ومصيرها مرتبط بتحقيق مرفأ بيروت …..
ما زال ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت مفتوحاً منذ عام. ومن بين القضايا المتوقفة على صدور نتائج التحقيق الجاري حالياً، قضية التعويضات التي يتوجب على شركات التأمين دفعها لعشرات الألوف من المؤسسات والافراد الذين يملكون صكوك تأمين. كل الأسئلة المتعلّقة بهذه القضية حملها موقع “أوّلاً-الاقتصاد والأعمال” إلى رئيس جمعية شركات الضمان في لبنان إيلي نسناس.
في مستهل اللقاء، ردّ نسناس على سؤال :”هل مرّ قطاع التأمين بتجربة مماثلة كتلك التي يمرّ بها اليوم؟ فأجاب:” بالتأكيد لا. وقطاع التأمين مثل لبنان، يمرّ بحالة اقتصادية واجتماعية يرثى لها. ولا داعي للقول إن قطاع التأمين هو في صلب الاقتصاد اللبناني. بصراحة، لم نكن نتصوّر أن نصل إلى هكذا وضع. لقد زاد انفجار المرفأ الطين بلّة. رحم الله الذين استشهدوا وشفى الذين أصيبوا، أما حجم الخسائر فلم تكن بالحسبان، إننا نفهم أن يحصل ذلك في زلزال أو فيضان، لكن حجم الأضرار الناجمة عن الانفجار لم نكن نتوقع مثيلاً لها في حياتنا”.
هل كان الوضع ليختلف لو لم ينهار القطاع المصرفي وأتت كارثة المرفأ؟ يجيب نسناس: “أكيد، إن الوضع سيكون مختلفاً. مثلاً، هناك عملية إعادة التأمين. فلو كنا قد دفعنا ما يتوجّب علينا لكان ذلك مفيداً، غير إن المشكلة الكبيرة في انفجار المرفأ هي في عدم معرفة نوعية الحادث كي نعلم هل أن الحادث مغطى بعقود التأمين أم لا. وتحديداً: هل الحادث نتيجة إرهاب أو حرب أم أنه نتيجة إهمال وحادث عرضي؟ هذه هي المشكلة الكبرى التي نحن عالقين فيها الآن، لو لم تكن هذه المشكلة موجودة لكان الأمر أهون بكثير”.
يتردّد أن الأكثرية الساحقة من التأمينات ليست من فئة أخطار الحروب والارهاب. وبالتالي، ربما من مصلحة هذه الأكثرية أن يقال إن الانفجار حادث عرضي. وهناك من يتساءل: هل هذا الأمر وراء التأخير في إنهاء التحقيق؟ يرّد رئيس جمعية شركات الضمان، قائلاً: “بصراحة المعطيات التي لدى المحقق العدلي ليست بحوزتنا. وفور صدور نتائج التحقيق، سنلتزم بواجباتنا تجاه موكلينا الذين منيوا بالأضرار وحالتهم مأسوية، ويجب أن نكون إلى جانبهم، لكن كي نكون إلى جانبهم، يجب أن يصدر القرار الظني بنتائج التحقيق لكي نقوم بواجباتنا”.
التعويضات المهمة ستأتي من شركات معيدي التأمين التي تنتمي إلى دول غربية مثل سويسرا وألمانيا وإسبانيا وغيرها. ونتيجة التعقيدات الناجمة عن انفجار المرفأ، تسود خشية من أن تصبح قضية الانفجار تحت تأثير اعتبارات سياسية، غير إن نسناس ينفي ذلك:” بصراحة كنا نظن أن هناك تدخلاً في عمل هذه الشركات، لكن تبيّن أن الواقع ليس كذلك. بل على العكس، ليس هناك من علاقة بين هذه الشركات والدول التي تعمل فيها. عمل الشركات بحت تقني. ومشكلة معيدي التأمين الآن، أنهم لا يستطيعون الاعتراف بحادث ليس مغطى. كل الصكوك الصغيرة ندفعها، ومن دفعنا له وتبيّن لاحقاً أنه ليس مغطّى فيجب أن يعيد دفع ما قبضه كي لا تكون هناك سابقة في بلدان معيدي التأمين. لذلك يجب ان نتفهم الوضع. صحيح أن قانون العقود يحدّد المسؤولية الملقاة على شركات التأمين عندما يكون الحادث مغطّى. في حالتنا الراهنة، التحقيق عند المحقق العدلي، ولا تستطيع الشركات أن تجري تحقيقاتها كما تفعل في أحوال أخرى. لذلك، نتمنى مثل كل الناس أن تظهر نتائج التحقيق، أقلّه معرفة نوعية الحادث، وهل هو عرضي أم نتيجة عمل حربي. إن الشركات لا تتقاعس في القيام بواجباتها، لكن ليس لنا الحق بإجراء التحقيق لذلك علينا الانتظار. وما قمنا به حتى الآن هو التعويض قدر الإمكان على زبائننا الذين هم معنا منذ عشرات السنين، وقد شملت التعويضات المنازل والشركات والمؤسسات الصغيرة في نطاق الحوادث الصغيرة.
لا جواب حتى الآن على سؤال: كم سيطول انتظار التحقيق؟ ومن بين ما سدّدته شركات الضمان من تعويضات تلك التي تتعلّق بأضرار السيارات. وقدّر نسناس حجم ما دفعته هذه الشركات بـ20 مليار ليرة (الدولار يساوي 1500 ليرة وفق السعر الرسمي). وهناك 5 آلاف و400 حادث جرى دفع تعويضات 5 آلاف و25 حادثاً، أي جرى دفع نحو 95 في المئة من حوادث السيارات، وقد تولّت الشركات عملية التصليح، أما فيما خص الممتلكات فيجري الدفع نقداً وبالدولار.
وتوقّع أن تأخذ ملفات الاضرار الكبيرة وقتاً. ولفت النظر إلى أنه عندما وقع انفجار مصنع تولوز للكيماويات بفرنسا في 21 أيلول/سبتمبر 2001 بسبب مخزون نيترات الأمونيوم (شبيه لإنفجار المرفأ)، لكن حجمه أصغر بكثير مما حدث في مرفأ بيروت، استهلك دفع التعويضات هناك أكثر من 28 شهراً أي سنتيّن و4 أشهر، على الرغم من أنه لم تكن هناك مشاكل، كما لم يكن هناك محقّق عدلي، بل كان هناك معمل تملكه شركة “توتال” التي تعهّدت لشركات التأمين التي تغطّي أصحاب المنازل المتضررة بأنها ستدفع لها ما يتوجّب فوراً، ومع ذلك تطلب الأمر 28 شهراً. وقال: “يجب ألا ننسى أن هناك 15 الف حادث مرتبط بإنفجار المرفأ”.
سعينا لدفع 30 في المئة للزبائن كي ييسّروا أمرهم وذلك مع شركات معيدي التأمين ولم نصل إلى نتيجة. أتت الأزمة وسط أزمة أكبر. ولفت النظر الى أن المرفأ كمرفق لديه صك تأمين، لكن السؤال هو حول المبلغ في الصك، وهل هو كاف ليعيد البناء بما ذلك الاهراءات؟ وقال إن المساعدات الخارجية لا تشمل شركات التأمين بل تشمل الافراد غير المشمولين بالتأمين. ويقولون إن الأضرار تقدّر بـ6 مليارات دولار، ولكن حجم التأمين هو مليار و200 مليون. وعادة، نسأل الزبون إذا ما قبض مساعدات كي نخصمها من التأمين. ووصف نسناس الرقم الرسمي لخسائر انفجار المرفأ وهو 15 مليار دولار فقال انه مبنيّ على تقديرات اقتصادية.
ماذا عن مستقبل قطاع التأمين في لبنان؟ يقول رئيس جمعية شركات الضمان:”حجم التأمينات ما زال هذه السنة مثل ما كان العام الماضي، لكنه تأثّر بتراجع التأمينات البحرية، إذ لم تعد هناك حركة استيراد وتصدير، كما إن القدرات الشرائية للناس قد تراجعت، وستبدأ الانعكاسات بالظهور في تأمينات الاستشفاء التي ستتأثر إذا ما تم رفع الدعم عن المستشفيات. إننا نعمل على إيجاد حلول كي لا نترك الناس من خلال برامج تأمين جديدة. المشكلة، هو عدم الاستمرار في قبض الأقساط على أساس التسعيرتيّن الرسميتيّن للدولار: 1500 و3900 ليرة، والآن هناك مستشفيات تقبض قسماً من الفاتورة بدولار “فريش”، أي صار هناك دولار استشفائي. إن التضخم مخيف، وأرى ان الاقتصاد ذاهب الى “الفريش” ، لكن الأمر يتطلّب وقتاً. أهم شيء هو القدرة الشرائية للطبقة الوسطى وذلك بزيادة الرواتب كي تتأقلم مع التضخم، وهذا ما رأيناه في نهاية الثمانينات، المهم أن نبقى مع زبائننا الذين بقوا معنا عشرات السنين”.
وأشار الى ان هناك مؤسسات لها فروع خارجية تعمل، وتستطيع ان تدعم المؤسسة في السوق المحلية، وقال إن اقتصاد لبنان غير واقعي، وعاش المواطنون بقدرات فوق طاقة الاقتصاد بكثير.