الموارنة والكيان المسيحيّ: تقرير يُنشر للمرة الأولى
*تقريرٌ عن لقاء بين الرئيسَين الياس سركيس والرئيس الفرنسيّ فاليري جيسكار ديستان*
تمّ في 28/11/1978، في قصر الإيليزيه في باريس.
بتاريخ هذا اليوم اجتمع الرئيسان الياس سركيس وفاليري جيسكار ديستان وأجريا محادثات رسميّة بُحثتْ خلالها وسائل الخروج من الأزمة. وهذا يكون من طريق إعادة بناء الجيش وإقرار مبادئ أساسيّة لنظام سياسيّ يتوافق مع مبادرة تقوم بها السلطات الفرنسيّة، مبادرة تحظى بدعم الغرب كما بدعم الدول العربيّة، ولا سيما الولايات المتّحدة والمملكة العربيّة السعوديّة، بغية تشجيع الحوار بين اللبنانيّين في اتّجاه الوفاق الوطنيّ.
لم يتوصّل الفريقان الى اتّفاق على معظم الخطوط التي رسمتها السلطات الفرنسيّة وعلى الصيَغ التي عُرضت على الرئيس اللبنانيّ لأنّ هذه كلّها تشكّل تسوية لأزْمة المنطقة على حساب وحدة لبنان وموارده، فضلًا عن المعارضة الشديدة التي ستواجهها هذه الصيغ من جانب “الجبهة اللبنانيًة”، معارضة ستقود حتمًا إلى حريق على الصعيد الأمنيّ بين المسيحيّين والفلسطينيّين وبين المسيحيّين والسوريّين.
كان الجانب الفرنسيّ قد أبدى، ولا سيما رئيسه، اهتمامًا كبيرًا بالأزمة السياسيّة الداخليّة وربطها بأزمة المنطقة خصوصًا في ما يتعلق بالأخطار التي تهدد منابع النفط. وقد أثار تلميحًا في بادئ لأمر، وتصريحًا بعد ذلك، مسألة التوطين واصفًا إيّاها بـــ”إقامة الأيدي العاملة الفلسطينيّة”، وكاشفًا عن أن الأزمة ستتخذ بعد التوقيع النهائيّ لاتفاقيات كمب دايفيد اتّجاهًا جديدًا وهدفًا جديدًا في ما يتعلق بلبنان والجبهة الشرقية.
في هذا السياق أعرب الرئيس الفرنسيّ عن رغبته -المدعومة من اطراف نافذة على المستوى الدوليّ والعربيّ- في دعوة الأطراف اللبنانيّة المتنازعة الى إيجاد قاعدة مشتركة للتعاون والتفاهم. وأعلن أنّه سيقوم بالخطوات اللازمة لهذا الأمر.
يمكن إيجاز الاقتراح الفرنسيّ بالخطوط الكبرى الآتية:
1 – هذه المرحلة هي مرحلة الوطن الفلسطينيّ لا مرحلة السلام بين اسرائيل والجبهة الشرقيّة، لأن سياق السلام قد تأكّد بواسطة المعاهدة المصريّة-الإسرائيليّة.
2 – هناك معطيات دوَلية تسمح بالتأكيد أنّ سوريا ستنضم إلى اتّفاقيّات السلام بعد أربعة اشهر من توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل.
3 – تتعهد فرنسا بانسحاب ثلاث مئة ألف فلسطينيّ من الأراضي اللبنانيّة بشرط أن يكون بإمكان الباقين، بمن فيهم هؤلاء الذين حصلوا على الجنسيّة اللبنانيّة خلال ولاية الرئيس كميل شمعون، أن يقيموا في المنطقة الواقعة “بين النهرين” التي تصل إلى تخوم بيروت الكبرى، بعد تجريدهم تمامًا من السلاح. كذلك يكون محظّرًا على هؤلاء الإقامة في منطقة بيروت الكبرى وفي المنطقة الشرقيّة وفي البقاع. هذه العمليّة تجري خلال مرحلة التسوية النهائيّة حين يتمّ حلّ أزمة الجبهة الشرقيّة.
4 – سيقسم لبنان إلى ثلات مناطق إداريّة محدّدة جغرافيًّا كالآتي:
أ – منطقة ذات طابع سنيّ-درزيّ غالب، وتضمّ بعض الأقلّيّات الأخرى، تمتدّ من خلده إلى جنوب لبنان وتشمل جزءًا من الشوف وصولًا إلى تخوم بيت الدين.
ب – منطقة ذات طابع مسيحيّ غالب، وتضم بعض الاقلّيّات الأخرى، وتمتدّ من الدورة إلى شمال لبنان. وهي تشمل بما فيه قصبة بيت الدين وصولًا إلى مخفر الدرك في ضهر البيدر.
ج – منطقة ذات طابع شيعيّ، وتضمّ بعض الأقّيّات الأخرى، في البقاع (الشرقيّ والغربيّ).
امّا بيروت فتصبح عاصمة موسّعة تمتدّ من خلده إلى الدورة وتضمّ أجهزة رئاسة الجمهوريّة، أي بعبدا والحازميّة والحدث وعين الرّمانة وسن الفيل والغبيري وبرج البراجنة والدورة، فضلًا عن الأحياء الواقعة ضمن الدائرة الإدارية لمدينة بيروت كما كانت مرسومة سابقًا.
لن تكون “بيروت الكبرى” دائرة إدارية مستقلّة بل مدينة مفتوحة للمناطق الثلاث المذكورة، أي المجموعة المركزيّة للنظام السياسيّ والإداريّ.
هذا الاقتراح الفرنسيّ الذي لم يناقش الرئيسان كثيرًا تفاصيله، هو نسخة جديدة من مشروع تطوير المناطق الذي اشار اليه جوج غورس سابقًا.
كذلك أثار الرئيس الفرنسيّ المبادرة الجديدة التي سيقوم بها مبعوثون فرنسيّون سيزورون لبنان بعد إجراء مشاورات في واشنطن والفاتيكان ودمشق والرياض. كما أكّد في هذه المناسبة على أنّه سيكون هناك تعديلات حدودية مع سوريا في مناطق البقاع وعكار ومع إسرائيل في منطقة جنوب لبنان من دون أن يعطي تفاصيل عن هذه التعديلات.
خلال هذا الاجتماع تبلّغ الرئيس سركيس رفض “البطريركية المارونية” و”الجبهة اللبنانية” هذا الاقتراح. لهذا لم يصدر البيان المشترك التقليديّ.
كتب انطوان نجم في موقع mtv: