فن

نبيل شعيل “لاهي” بجديده المختلف والشبابي

بقلم// جهاد أيوب

منذ انطلاقة بلبل الخليج نبيل شعيل في عالم الغناء نهاية عام 1981 عبر أغنية “سكة سفر” – كلمات عبداللطيف البناي، ولحن راشد الخضر- والنجاح الكبير الذي حققه في حينه، وهو ينشغل بما سيقدمه بعد كل عمل لافت حيث ثبت حضوره المختلف عن كل السائد آنذاك وحتى الآن، واصبحت عادة تلازمه، لا بل مرضاً يعانيه ويزعجه شخصياً، هو هكذا يبحث ولا يكرر ما يغنيه ويزيد في رصيده، ربما من يقرأ هذه الكلمات يستسهلها، وبالحقيقة تتعب من يعانيها، وتجعله ينقب تنقيباً قاسياً وصولاً إلى أن لا يعجبه العجب، وكل جديد يقدم له يتقبله بعد دراسة وحالة من القلق، وأحياناً، وفي زحمة انشغالاته في التسجيل تصادفه أغنية فكرة جملة عابرة، يندفع إليها إندفاعاً جارفاً كأنه الطفل الذي وجد لعبته التي فقدها منذ سنوات، وهذا ما حدث معه خلال تبنيه أغنيته ” ولا هم يحزنون ” ضمن البومة الجديد “لاهي”!
“لاهي” عنوان ألبوم نبيل شعيل الذي طرحه في الأسواق الخليجية والعربية منذ أيام، ألبوم روحه شبابية معاصرة في تقديم الكلمة الشعرية البسيطة، والتي يتعامل معها شباب اليوم، مستخدمها بذكاء دون إلغاء القيمة والفكرة والصورة، ولا استسهال إلى حدود التسطيح، ورافق الشعر الالحان التي تحافظ على بيئة النغم الخليجي مع توزيع أقل ما يقال فيه ” شطارة ومهارة” خدمت الأغنية وموضوعها في جديد يشكل مغامرة في هذه الظروف الصعبة اقتصادياً واجتماعياً وذوقياً، فكيف إذا كان الألبوم يطل علينا بعد حمل وجهد أكثر من 42 سنة من تعب وحضور ومغامرات للفنان نبيل شعيل منذ انطلاقته إلى اليوم، ووجوه جديدة صادفته، وتغيير الأذواق والأنماط الفنية والحياتية…مشوار طويل بصمته نبيل شعيل دون كلل أو ملل!
يضاف إلى هذا المشوار سجن الكورونا، وشلل العمل هنا وهناك كما لو كنا نعيش العقاب الجماعي والسجن الانفرادي، لذلك ” لاهي” مغامرة، وصاحبه لا يطرح أغنية، بل يطرح البوماً كاملاً بتنويعاته في مرحة حرجة على أكثر من صعيد!

#الأغاني
ألبوم ” لاهي” مغامرة ناجحة، وستترك الصدى الجميل من خلال أربع أغنيات، قام بالمكس والماستر جاسم محمد، والايقاعات هاني الدوسر وسمير القطان، وهي على التوالي:
– ” لاهي” كلمات واحد، وألحان وليد الشامي، توزيع مهند خضر، حينما تسمعها قد لا تعجبك، تحتاج إلى أن تسمعها لأكثر من مرة، وفجأة ترددها، تسبح في نغماتها الكويتية، وتسافر مع كلماتها ” السهل الممتنع”، وتعيد إليها حقها…أغنية من عمق النغم والحالة الخليجية بنكهة شعيلية تصلك بثقة وراحة، وتلعب على ذاكرة الزمن الجميل!
– ” ولا هم يحزنون” كلمات رامي العبودي، ولحن وتوزيع ميثم علاء الدين، أغنية تتحدث عن قرار الحبيب بعزل من كان حبيبه خارج حياته، صرخة عاطفية علنية، تضع النقاط على الوضوح، وستجد متابعة كبيرة من شباب اليوم، خاصة أن غالبية الشباب لا يعرفون الحب بقدر ما يمارسونه من خلال السوشال ميديا، لذلك هذه الأغنية صفعة شعبية وقرار شبابي.
تنطلق بالإيقاع الكويتي والصوت التراثي إلى أن تصل النغمة بشفافية إلى نبيل ليصدح بشجن:
“ما يهمني عاد يخون، أصلاً أنت مين تكون، كافي منك كل شي كاف، بعد لا عشرة ولا هم ولا هم يحزنون”.
الكورس يعيد فقط “ولا هم يحزنون” ليكمل نبيل بشيء من الدراما : “تعبوني لأحبهم، والمواقف كشفتهم، والليالي غيرتهم، صرت أحس إني عليهم ما أمون”…
ويتابع نبيل بنبرة مباشرة: “أنت أنت ضدي واقف، صرت لي مصدر تعب، قبل ما تقول أنا أسف، أرجع اتعلم أدب…”.
وما أن يصل إلى أخذ القرار تتغير نبرة نبيل كما لو كان فعلاً هو من قرر:
“لا حد يفكر بدونه رح موت من القهر، يروح واحد يجي غيره، الدنيا مليانة بشر، صار لازم من حياتي تختفون…”.
ويترك نبيل بعد الأغنية الصرخة القرار للنغم بأن ينهي الأغنية!
في الحقيقة وقفت مطولاً عند هذه الأغنية لغرابتها موسيقياً من خلال لازمتها وتلحينها واعتمادها فقط على الغناء دون تكرار جملة موسيقية معينة إلى أن تنتهي بالموسيقى…أغنية سيكون لها الصدى الشعبي والنجاح الواسع خاصة عند جيل الشباب، أغنية مجنونة بقالب موسيقي جديد في نمطية الغناء الخليجي، وتحديداً الكويتي!

– “نهاب” كلمات وألحان محمد الأحمد، وتوزيع فهد السواح…هذا العمل يعيد الاغنية الكويتية إلى ماضيها، مساحة من الشعر المبني على الخجل في وصف الحبيب، واللحن المغموس بالتراث، والاداء البسيط دون تكلف، والمعتمد على الاحساس المفقود في هذا الزمن السريع!
تعمد نبيل شعيل أن يعيدنا إلى أجواء الغناء القديم بكل مفردات الأغنية من كلمات ناعمة ومهذبة لا عنف فيها غير الوصف، ولحن بسيط يرتكز على ألنغمة التراثية التي لا تشيخ، والغناء الهامس بشفافية الفاهم ماذا يغني ويبوح…عمل سيعجب كثيراً الأجيال التي تعشق الماضي، وسيقدم للشباب والجيل الحالي وجبة تعيد إليهم الهدوء والتفكير في الزمن الجميل، خاصة أن الشعر تعمد هذه الصور الشفافة في معانيها:
“نهاب وينهب كل عين تلمحه، ويفز له قلبي ويتبعني الخفق
العين قريت وصفه لو اشرحه، الوصف عاجز والشعر فيه يذوب….”.

– “يا مدور” كلمات كايد، زالحان عبد القادر الهدهود، وتوزيع سيروس، دائماً الهدهود يحافظ على تقديم جملة لحنية جديدة غير مكررة، نحفظها بسرعة، وننسجم معها، وهنا نبيل أدى العمل بهدوء، وثراء في نطق كلام الحب، سافر بنا بإحساس مرهف، وشطارة إيصال المعنى.
“يا مدور في حياتي لك مكان، الحياة بالنسبة لي حنانك
اي أحبك وأنت تدري من زمان، ما وصل مخلوق بالدنيا مكانك…”.
كل ما في الأغنية أجواء رومانسية لا تشنج فيها نغماً وصوتاً، والأجمل إعطاء الكورس مساحة خاصة، يضاف جمالية على اللحن حينما يغني نبيل مع الكورس… أغنية مشبعة بالبوح العاطفي، وبتفاصيل مشغولة بحساسية واعية لمعنى الشعر والصوت، وبهدوء الأداء المرهف.

في جديد نبيل شعيل الأداء الخبرة، والإحساس المرهف، والذكاء في الاختيار، وعدم إزعاج المستمع، بل تقديم وجبة غنائية وموسيقية تضيف الراحة لنا في زمن الزحمة والمشاكل المعلقة…
البوم ” لاهي” مساحة سمعية من ذهب، وجهود ترضي كل الأذواق، وتثبيت حضور فني لفنان قيمة إضافية في الغناء الخليجي لا يشبه أحد في الوطن العربي…نبيل شعيل السهل الممتنع، الغناء الذكي، والصوت الذي يغرد دون تعب، وتسمعه دون كلل.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى