بينما يترنح لبنان تحت وطأة تداعيات انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب الماضي، وعدم إنجاز المبادرة الفرنسية الخاصة بتشكيل الحكومة، وسّعت الولايات المتحدة دائرة ضغوطها، وأضافت كلا من وزير الصحة السابق علي حسن خليل ووزير الأشغال والنقل السابق يوسف فنيانوس على لائحتها السوداء، وفرضت عقوبات عليهما بتهمة الانخراط في الفساد وتقديم الدعم المادي لحزب الله.
هذه العقوبات التي أعلنها مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزينة الأميركية أمس الثلاثاء، جاءت في سياق خطوة تصعيدية غير مسبوقة على حلفاء حزب الله، عبر استهداف أحد أبرز حلفائه المسيحيين القدامى سليمان فرنجية رئيس تيار المردة الذي ينتمي إليه فنيانوس، ونبيه بري رئيس مجلس النواب وحركة أمل التي ينتمي إليها خليل.
وفي أول رد فعل منه على العقوبات، رأى فرنجيه أن “القرار الصادر عن وزارة الخزانة الأميركية بحق الوزير يوسف فنيانوس هو قرار اقتصاص لموقفه وقناعاته وموقعه”، وبدورها أصدرت حركة أمل بيانا قالت فيه إن القرار الأميركي بحق عضو مكتبها السياسي علي حسن خليل “لن يغير من قناعاتنا ومن ثوابتنا الوطنية والقومية على الإطلاق”.
وبعد أن فرضت الخزانة الأميركية في عام 2017 العقوبات على 90 فردا وكيانا تابعين للحزب، جاء في التعليل الموسع لقرار العقوبات الصادر عن الوزارة أنّ “حزب الله استغل وزراء الحكومات ومنهم فنيانوس لسحب الأموال من الموازنة العامة للحكومة، وضمان فوز شركات مملوكة من الحزب بمناقصات حصلت بموجبها على عقود بقيمة ملايين الدولارات”.
وأضاف أن حزب الله “منح فنيانوس عام 2015 مئات آلاف الدولارات مقابل خدمات سياسية”، أمّا حسن خليل فاتهمه المكتب بأنه “أحد المسؤولين الذين استفاد منهم حزب الله لتحقيق مكاسب مالية، وقام بنقل أموال من المؤسسات اللبنانية إلى الحزب بشكل يجنّب هذه المؤسسات فرض العقوبات الأميركية عليها، كما استخدم نفوذه لإعفاء أحد المنتمين لحزب الله من دفع معظم الضرائب على الأجهزة الإلكترونية، وجزء من المال الذي تم دفعه تم تخصيصه لتمويل الحزب .
فما هو البُعد القانوني لهذه العقوبات المستجدة؟
يشرح أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية رئيف خوري ماهية العقوبات الأميركية على فنيانوس وخليل انطلاقا من بُعدين: قانوني وسياسي.
قانونيا: يشير خوري إلى أن هذه العقوبات تتمثل بحجز ووضع تدابير على جميع أملاك وأموال المعاقبين، سواء في لبنان أو في أوروبا وأميركا وكل دول العالم، و”تشمل الأملاك المنقولة وغير المنقولة، وجميع من يتعاطى مع المُعاقبين من شركات أو كيانات أو أفراد، كما يُمنع عنهم تحريك حساباتهم أو الإيداع فيها، أو التعاطي مع المصارف أو الهيئات المالية المُراسلة”.
ومن الناحية القانونية أيضا، تتجلى خطورة العقوبات وفق خوري، في أنها صادرة مباشرة من القسم المكلف بمراقبة الأصول الأجنبية بوزارة الخزانة الأميركية بكل أنواعها، وهي تستند في ذلك لأكثر من قانون مثل قانون قيصر وقانون ماغينسكي وقانون مكافحة الإرهاب، وهذا القانون الواسع للعقوبات، يطال كيانات وأشخاص، وهو مؤذٍ جدًا لمن عوقب أو سيُعاقب، لأن أبعاده متعددة شخصيًا وحزبيًا وكيانيًا”.
“وواقع الحال ثمة ما يوحي أن هناك تكاملًا بين الدورين الفرنسي والأميركي في لبنان كما يقول خوري، ففي البعد السياسي يرى خوري أن عرقلة القوى الداخلية تشكيل حكومة الرئيس المكلف مصطفى أديب، سرّع في العقوبات “لإفهام اللبنانيين أن فرنسا إذا لوحت بالعقوبات فإن أميركا تنفذ، وإذا حذرت فرنسا من التراخي في تشكيل الحكومة فإن أميركا تصعّد وتؤذي”.
ومعاقبة خليل يعتبرها خوري رسالة مباشرة لرئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يمسك بملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، فـ “أميركا غاضبة من عدم انجاز ملف ترسيم الحدود وتهدف إلى الضغط على من يتولى المفاوضات، وقد عبّر عن ذلك مساعد ديفيد شينكر في آخر زيادة للبنان بامتناعه لقاء المسؤولين اللبنانيين والاكتفاء بلقاء ممثلين عن المجتمع المدني”.
ضرب الحزب مسيحيا
وفيما يعتبر خوري أنّ ثمّة مسعى أميركيا واضحا لـ “تعرية” حزب الله من حلفائه المسيحيين، لا سيما أن العقوبات على فنيانوس “تقطع الطريق على طموح سليمان فرنجية بالوصول إلى رئاسة الجمهورية نتيجة تحالفه مع الحزب والنظام السوري”، ويصف المحللين السياسيين ان ما تقوم به أميركا بـ “العجز”، وأن عقوباتها هي انعكاس لفشلها بالمواجهة المباشرة مع الحزب وتطويق حلفائه.
يقول عبد الساتر: “لن يكترث الحزب للعقوبات لأنها تأتي في إطار المواجهة المفتوحة مع أميركا، كذلك نتوقع من حلفائه الصمود وعدم الاكتراث للضغط الأميركي بانتظار موقفهم، وقد سبق للحزب أن خاض حرب يوليو/تموز 2006 ضد اسرائيل، ولم تتغير تحالفاته المسيحية”.
في المقابل يرى الكاتب والمحلل السياسي شارل جبور أن حلفاء الحزب، والمسيحيين ضمنًا “يخافون في الأصل من الانقلاب على حزب الله مهما بلغت العقوبات، لأن ردة فعله ستكون عنيفة”.
واعتبر أن “أميركا لم تعد تميز بين المسلمين والمسيحيين، وإنما تريد معاقبة كل من يغطي حزب الله المصنّف إرهابيا لديها، ولا سيما أن تحالفاته أمنت له الغطاء السياسي ومشروعية لسلاحه، أما هذه العقوبات فـ “ستقطع الطريق على أي دور سياسي في المرحلة المقبلة للمعاقبين، وبالتالي سيواجهون أزمة عميقة مع بيئتهم الشعبية”.
وبينما تتجه الأنظار في لبنان لاحتمال فرض عقوبات على الحليف المسيحي الأبرز لحزب الله، الوزير السابق جبران باسيل، يعتبر رئيف خوري أن باسيل يقدم أوراق اعتماده للأميركيين في السر والعلن، ومع ذلك، فـ “أميركا تمهله لتحصيل مزيد من التنازلات من دون أن تهمله”.
لكن، هل ستؤثر هذه العقوبات على مسار تشكيل الحكومة؟
يرى عبد الساتر أن العقوبات عرّت المبادرة الفرنسية التي يصفها بالمسمومة، “فمبادرة ماكرون التي عكست في ظاهرها مهادنة حزب الله والسعي لتشكيل حكومة، أخفت خداعا في مضمونها، وكانت تمهد الطريق للعقوبات الأميركية”. وتابع أن “الفساد المعمم دعمته أميركا عبر حلفائها اللبنانيين وجمعياتها لـ 3 عقود، في وقت تدعي فيه محاربة الفاسدين ومعاقبتهم”.
من جهته، يرى جبور أن العقوبات الأميركية هي رسالة لاستحالة تشكيل حكومة تضم ممثلين عن حزب الله وحلفائه، لأن الأمر يستدرج لبنان لمزيد من العقوبات، كما يتوقع من الحزب وحلفائه الرضوخ وتسهيل تشكيل حكومة اختصاصيين، “لأنهم في وضع مأزوم، ويريدون شراء الوقت، ولا سيما أن إسقاط المبادرة الفرنسية التي تأتي بتنسيق مع الأميركيين يعني انفجار الشارع وفتح لبنان على شتى الاحتمالات الكارثية، وسيكون الحزب والعهد الحاكم المدعوم منه في مواجهة صعبة”.
لكن عبد الساتر يعتقد أن الأولوية لم تعد في تشكيل الحكومة، وإنما بكيفية تعاطي القوى السياسية اللبنانية مع العقوبات التي تمهد لحالة من عدم الاستقرار في البلاد، “ما يترك مؤشرات سلبية على مسار المبادرة الفرنسية في تشكيل الحكومة”.
أمّا حزب الله، وفق رئيف خوري، فـ “يغرّد في سرب مختلف، وإذا أغلق معبرا غير شرعي للجم التوتر، فقد يفتح معابر أخرى بديلة، استمرارا في سياسة التحايل على الأميركيين وجميع خصومه”.