رئاسة الجمهورية .. والكأس المثقوب
أمام هذه التحولات الكبيرة في شتى الميادين السياسية والعسكرية والإقتصادية حول العالم ، وأمام هول وحجم الكوارث الطبيعية التي تضرب العالم وبالأخص المنطقة العربية من جفاف وزلازل وهزات أرضية إرتدادية ، يبقى المشهد اللباني رماديا من الناحيتين السياسية والإقتصادية رغم كل اللقاءات التي ينطبق عليها قول”حركة بلا بركة” إن كان في باريس مؤخرا أو غيرها من العواصم الأوروبية والتي أُجهضت في مهدها أو كانت فقط لوضع تصورات أولية للمرحلة المقبلة.يبحر لبنان بكل تناقضاته الطائفية والمذهبية وانقساماته التي تهدد الكيان في أعتى أزمة يعانيها منذ تأسيسه عام 1920 وبعد استقلاله عام 1943 وتخطيه الحرب الأهلية المصغّرة عام 1958 والحرب الأهلية ما بين 1975 و1990 والإنقسامات السياسية العامودية وما أفرزتها من 2005 حتى اتفاق الدوحة ونهاية بإفرازات الحرب في سورية وإرهاصاتها الكبيرة عليه.
يعتبر إنتخاب رئيس الجمهورية حجر الرحى في ضوضاء السياسة اللبنانية متخطيا تداعيات الإنهيار المالي –الإقتصادي ومع ما يعني ذلك للأفرقاء المسيحيين وخاصة للوزير سليمان فرنجية وللنائب جبران باسيل ولقائد القوات اللبنانية سمير جعجع ومع عدم إغفال ارتفاع أسهم قائد الجيش العماد جوزيف عون .
وأمام هول ما يحدث في العالم والإقليم يبقى الملف اللبناني على ” الرف” رغم كل الإرتدادات السلبية التي ترافقه في ظل عدم وجود رئيس جمهورية وفي ظل حكومة تصريف أعمال وخلاف دستوري عميق على إنعقادها بحجة عدم الميثاقية وأنها مبتورة وحتى لو اجتمعت للبت بأمور حياتية –معيشية تهم عموم المواطنين.
بداية مع رئيس المردة سليمان فرنجية الذي بدأ زيارات مكوكية تشمل وستشمل مراجع روحية مسيحية وإسلامية للحصول على غطاء ديني بالدرجة الأولى معتمدا وفق ما يُصرّح أنه مقبول عربيا وخاصة من المملكة العربية السعودية كما أن الفرنسي لا يمانع بتوليه موقع الرئاسة لأكثر من اعتبار، كما أنه يستطيع القيام بدور وسطي بين الأفرقاء اللبنانيين رغم اصطفافه من الناحية الإستراتيجية مع المقاومة وباعتباره مرشح غير صدامي على الرغم من وجوده في قوى الثامن من آذار، فهو يفهم التركيبة اللبنانية الطائفية والمذهبية ويحافظ على علاقة تاريخية مع أقطاب سياسيين محنكين كالرئيس بري والوزير السابق جنبلاط ويعتبر أن الرئاسة ضمنا من حقه وهي التي جُيّرت لغيره بعد التمديد للعماد اميل لحود صيف 2004 وكان قاب قوسين أو أدنى في 2016 قبل أن تذهب للعماد ميشال عون.يقف في المقابل خصمه العنيد النائب جبران باسيل ليلوح للمقاومة بالدرجة الأولى بتفاهم مار مخايل الذي يترنح ولكنه لن يسقط، باعتباره ضامنا ونظرا إلى أن العديد من بنوده قد طُبق ،كما أنه مصلحة مشتركة رغم كل المصالح التي تجمعه مع الحزب والتي يستفيد منها في تحالفات إنتخابية في أكثر من محطة إنتخابية ينتهجها حتى خصوم النائب باسيل في بعض المناطق كالشوف وزحلة أو طرابلس وغيرها .
يفهم باسيل أصول اللعبة السياسية التي أصبح متمرسا في المشي بين زواريبها ،ويحاول أن يؤخر عبر الرسائل التي يبثها إعلاميا وسياسيا “قدر” سليمان فرنجية الذي يمكن أن يبصر النور متى ما طالت الأزمة وفي حال أي إتفاق إقليمي –دولي يلقي بتجاذباته على المشهدية اللبنانية.
يبدو مشهد عودة الحياة لقصر بعبدا بعيدا للإعتبارات التالية:
أولا:عدم قدرة البطريركية المارونية على جمع الأفرقاء للخروج بتصور أو بنقاط مشتركة يبنى عليها للدفع بعملية انتخاب رئيس عتيد والتي مازالت خجولة ولا تنذر بتقدم يسير .
ثانيا :الرفض الكلي من رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لترشيح فرنجية بحجة أنه من المنظومة التي تدير البلد منذ تسعينيات القرن الماضي ولغياب الحيثية الشعبية وتراجعه في الإنتخابات النيابية الأخيرة.
ثالثا:عدم ضغط المقاومة الواضح إلا من الناحية البرلمانية عبر آليات معروفة ، رغم أن الرسائل وصلت للقاصي والداني أنها مع ترشيح فرنجيه شكلا ومضمونا حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
رابعا:عدم إيلاء المملكة العربية السعودية الملف اللبناني أي أولوية ورغم تحركات السفير البخاري في أكثر من منطقة وعلى أكثر من صعيد ، فإن أي اهتمام سعودي سيتظهّر من خلال وفود أوممثلين يصلون العاصمة الرياض ، وحتى بالنسبة للجمهورية الإسلامية التي تعتبر أن المقاومة في لبنان لها الصلاحية والقدرة للتواصل في أي شأن لبناني محلي .
خامسا:اعتبار الملف اللبناني ملفا ثانويا في ظل انشغال الدول الكبرى المؤثرة بالحرب الروسية الغربية أو بالملف النووي الإيراني أو حرب اليمن ولم يعيروا لبنان أي اهتمام إلا لإنهاء موضوع الغاز وما له من تداعيات إيجابية على الكيان المحتل أو لمد أوروبا به .
سادسا: عدم قدرة الأطراف المسيحيين على الوصول إلى إتفاق جديد يعيد بعضا من صلاحيات رئيس الجمهورية لعدة اعتبارات منها خوف البعض من ردة فعل إحدى الدول الإقليمية الفاعلة ورفض المكونات اللبنانية الأخرى لأي تعديل ينتقص من صلاحياتها .
يبقى كرسي الرئاسة حلبة صراع أهل الموارنة الكرام رغم صلاحياته المحدودة والتي لا تسمن ولا تغني من جوع والذي يحافظ من يتولاه على قامة شرفية حيث ينضم اسمه إلى لائحة الرؤساء من شارل دباس حتى الآن.حبّذا لو نستطيع أن نصل إلى نظام جديد يهشّم كل تلك الأصنام الطائفية والمذهبية ويحصّن ساحتنا الداخلية ضمن دولة مدنية ..بدل الشروع في تدمير ما تبقى من مقوّمات هذا البلد ..
للأسف لا شيء يدعو للتفاؤل …والسلام
سامر كركي
إعلامي وكاتب سياسي