مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية: كلفة الإفطار الأساسي لأسرة من 5 أفراد تتخطى الـ6 مليون ليرة يومياً!
قام باحثو مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في بيروت، وكما كل سنة منذ بدء الإنهيار المالي والإقتصادي والمعيشي في لبنان، بدراسة مؤشر الفتوش وهو يتضمن أسعار 13 مادة تكوّن سلطة الفتوش مع التثقيل المناسب لكل مكوّن له.
توضح البيانات إرتفاعاً شاهقاً وحاداً في مؤشر كلفة الفتوش “بالمفرق”، أي ما يشتريه المستهلك النهائي، لرمضان عام 2023 مقارنة مع العام السابق، بنسبة تبلغ حوالي 187%، ليسجل مؤشر الفتوش 95,000 ليرة لبنانية للشخص الواحد قبل بضعة أيام من بدء رمضان 2023 مقارنة مع 33,100 ليرة في العام السابق. وقد إرتفع مؤشر الفتوش بنحو 534% خلال سنتين مقارنة بقيمة 14,985 ليرة عام 2021. ويعود هذا الارتفاع الحاد الى التدهور المفرط بقيمة الليرة اللبنانية مقارنة بالدولار منذ بدء العام الحالي، وهو بالطبع – بسبب إستمرار الأزمات السياسية وتأثيرها السلبي على الآفاق الاقتصادية – سيستمر بالإرتفاع مقابل الليرة. كما يعود الارتفاع الحاد في مؤشر الفتوش الى الزيادة في كلفة النقل بسبب إرتفاع أسعار النفط، والتوجه نحو التصدير لإستقطاب الدولار الفريش من الأسواق الخارجية وبالتالي تراجع حجم المعروض في السوق المحلي، بالإضافة الى إرتفاع أسعار الأسمدة المستوردة والبيوت البلاستيكية وكذلك أسعار صناديق التوضيب. وتجدر الاشارة الى أن صندوق توضيب الفاكهة أو الخضار البلاستيكي كان سعره 1500 ليرة قبل الأزمة وأصبح حالياً ما بين 43,000 و47,000 ليرة. ووفق أحد تجار المفرّق، فإن تجارة الفاكهة والخضار أصبحت تقريباً “المصلحة الوحيدة التي لا تستطيع التسعير للمستهلك النهائي بالدولار”، الأمر الذي يكبّد تجار المفرّق خسائر كبيرة بين اليوم والآخر.
وأمام هذا الواقع، وبالرجوع في سلسلة الإمداد إلى تجارة الجملة، فقد سجل مؤشر الفتوش “بالجملة” (المؤلف من 8 مكونات خضار أساسية ودون إستخدام لزيت الزيتون، علماً أن سعر تكنة الزيت يبلغ 100 دولار) قيمة 72,000 ليرة قبل أسبوع واحد من بدء شهر رمضان لعام 2023، وهي أسعار تتغير كل يومين تقريباً وفق مصدر في تجارة الجملة للفاكهة والخضار، ما يعكس تحديات أيضاً ناتجة عن إرتفاع كلفة الإنتاج، والتي بدورها تنتقل عبر سلاسل الإمداد الى المستهلك النهائي. كما أن الفرق القليل بين قيمة مؤشر الفتوش بالجملة وبالمفرّق يعكس تحديات أمام بائعي المفرّق لناحية المفاضلة بين زيادة هوامش ربحهم أو المحافظة على شريحة عملائهم من المستهلكين.
وبالتوازي، تخطّت قيمة الإفطار اليومي للفرد مبلغ 1,200,000 ليرة لبنانية، وهي تشكل حوالي ضعف قيمة الإفطار اليومي قبل عام بالتحديد، بسبب إستمرار الإرتفاع في أسعار السلع والمواد الإستهلاكية بوتيرة أكبر من الإرتفاع في سعر الصرف. ويعود ذلك بشكل كبير إلى أن التجار يعتمدون هامشاً مضافاً الى سعر الصرف في السوق الموازي، لضمان قدرتهم على توفير السيولة اللازمة لإعادة تكوين مخزونهم من البضائع دون تكبد خسائر مالية جراء الارتفاع المستمر في قيمة الدولار مقابل الليرة اللبنانية. وحيث أن كثيراً من الناس باتوا يستغنون عن مكونات كثيرة في طعامهم وموائدهم، إلا أنه يصعب الاستغناء عن الخضار والفواكه الأساسية. ومع عودة ارتفاع حصة كلفة الطعام من مجمل مدفوعات الأسرة، يمكننا أن نتصور التراجع الكبير في نوعية الحياة للكثير من الأسر، وخصوصاً تلك التي ما زالت رواتبها ومعاشاتها التقاعدية مقوّمة بالليرة اللبنانية.
وبإستثناء اللوبيا التي شهدت أسعارها إرتفاعاً ملفتاً في شتاء 2022، ومن ثم ارتفاعاً حاداً منذ بدء عام 2023، حافظت أسعار الخضار الأخرى، مثل البندورة والكوسا والخيار والبصل الأحمر والبطاطا، على منحى متوازٍ مع ارتفاع سعر الصرف، لتتباين بشكل واضح عنه منذ مطلع العام الحالي. أما الفاكهة، مثل التفاح الأحمر والموز والبرتقال، فقد شهدت أسعارها تقلبات متفاوتة خلال عام، قبل أن ترتفع بشكل كبير جداً بالتوازي مع الإرتفاع الحاد في سعر الصرف منذ مطلع العام الحالي. وإتبعت أسعار اللحوم والدجاج منحى مماثلاً. أما أسعار البيض ومنتجات الحليب فقد بدأت المنحى التصاعدي منذ شهر تموز 2022، وخصوصاً أسعار الحليب المجفف، لترتفع بشكل حاد أيضاً مع بدء العام الحالي تماشياً مع الارتفاع المفرط في سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية. كما إرتفعت أسعار زيت الزيتون بشكل كبير وحاد منذ مطلع العام الحالي.
ويؤكد باحثو مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في بيروت خطورة آليات التأقلم السلبية التي يتبعها السكان، لناحية اللجوء الى مواد غذائية ذات جودة ونوعية متردية، أو الإستغناء عن بعض المنتجات المفيدة للصحة، ما سيسبب أزمات صحية كثيرة في السنوات المقبلة، وستكون تبعاتها على القدرة المعيشية وعلى إنتاجية الأفراد وكذلك على فاتورة الصحة العامة كبيرة وخطيرة جداً.
(*) مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في بيروت مبادرة بحثية تهدف الى دراسة تداعيات الأزمات المتعددة في لبنان وطرق مقاربتها.