يتحسر اللبنانيون على الفرص الضائعة بعدما أنهى وفد الصندوق الذي زار لبنان مهمته في لبنان خلال شهر آذار بتقرير حمل في طياته الكثير من التشاؤم عن مستقبل الوضع اللبناني ومصير الإتفاق بين لبنان وصندوق النقد الدولي.
لا شك ان صندوق النقد الدولي يدرك تفاصيل الوضع اللبناني، فقد اورد مطالب ضرورية وملحّة بالنسبة إليه تتصل بتنفيذ إصلاحات مسبقة وإقرار البرلمان لمشاريع قوانين عاجلة، أبرزها قانون “كابيتال كونترول” الذي يقيد عمليات السحب وتحويل العملات الأجنبية من المصارف، إضافة الى إقرار تشريعات تتعلق بإعادة هيكلة القطاع المصرفي وتعديل قانون السرية المصرفية.
لقد وضع الصندوق للبنان خارطة الانهيار للسنوات الأربع المقبلة الى2027 في حال لم ينفذ لبنان كل الاصلاحات المطلوبة مع تطبيق خطة شاملة للتنمية الاقتصادية والمالية والاجتماعية، وإلا فإن لبنان سيدخل في نفق مظلم قد يصعب السيطرة عليه.
وامام ذلك، رأى نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي، إن “لبنان بحاجة إلى رجال دولة بعيدين عن الشعوبية يقودون الرأي العام ولا يقادون منه، يصارحون المواطنين بالحقيقة المرّة ويتخذون المواقف الجريئة لما فيه مصلحة الجميع”. وأضاف ” البلد ينهار ويتحلّل أمام أعيننا فيما نحن نناقش جنس الملائكة، المبنى يتصدّع ويتهاوى والبعض ينتظر أن ينهار كلّياً ظناً منه أن بإمكانه أن يبنيه من جديد وعلى قياسه غير آبهٍ بأن ذلك قد لا يكون ممكناً ليتّسع للجميع.
بات واضحا للمعنيين أن وفد صندوق النقد لم يعد يجد فائدة في تقديم النصائح للطبقة السياسية، لا بل أصبح فاقداً للأمل من إمكان تجاوب الطبقة السياسية مع متطلبات صندوق النقد، لناحية الإصلاحات المطلوبة والمهل المتاحة لإقرارها وأنه ليس في وارد العودة الى لبنان قبل شهر أيلول المقبل في حال قرر العودة.
فبعد مرور عام كامل على الإتفاق المبدئي مرت الأيام بثقلها على اللبنانيين، في ضوء غياب اي تجاوب من المعنيين عن إقرار القوانين الاصلاحية والاصلاحات المطلوبة من قبل صندوق النقد، علماً بأن الإصلاحات المطلوبة كانت محددة بالحد الأدنى كالتالي :
1- إصلاح وترشيق وترشيد القطاع العام من أجل رفع إنتاجيته.
2- إقرار قانون التقييد المالي أي الكابيتال كوتنرول بما يساعد على حفظ الأموال الأجنبية الموجودة في لبنان.
3- إقرار هيكلة كاملة للقطاع المصرفي بحيث تستطيع المصارف التي تستوفي شروط الاستمرار استعادة الثقة والدور المطلوب في نهوض الإقتصاد.
4- إقرار وتعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء تمهيداً لاصلاحه حيث لا يمكن السير بقطاع خاسر ومفلس على الطريقة اللبنانية.
5- تعيين الهيئات الناظمة لباقي القطاعات بما يضمن تفعيلها لا سيما وأن باقي القطاعات كالنقل والاتصالات وصندوق أصول الدولة الاستثمارية مطلوبة لتفعيل الايرادات للخزينة.
وفي السياق، يقول الخبير المالي والاقتصادي بلال علامة لـ”لبنان24″ بعد مرور عام كامل من دون معالجة للأزمات باتت الامور مستفحلة أكثر حيث توسعت الفجوة المالية من ثلاثين – اربعين مليار دولار تقريباً فوصلت الى سبعين – ثمانين مليار دولار، معطم مؤسسات الدولة باتت على شفير التحلل الكامل بعد ان كانت عاملة مع مطلع العام الفائت. المصارف باتت بحكم المعطلة بالكامل بدل عودتها للعمل . ويسأل علامة: هل من الممكن بعد ما ذكر أن يقبل صندوق النقد بالعودة الى المفاوضات التي بات يجدها عبثية بغية التوصل الى توقيع إتفاق المساعدة ؟
والاكيد أنه في حال كان هناك قبول فإن الشروط ستصبح أقسى بكثير والمطلوب اليوم بات أكثر دقة وبوقت أقل وبحاجة لسرعة قد لا تكون متوفرة أصلاً لدى الطبقة السياسية. بكل الاحوال قد يكون تصريح نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي وهو المكلف أصلاً بالتفاوض مع صندوق النقد الأكثر واقعيةً، بحسب علامة، عندما قال قبل اسابيع أن الطبقة السياسية اللبنانية تعيش حالة انكار أو أنها على يقين بخطورة الوضع ولكنها عالقة في تشابك مصالح وإذا لم تقم بما يتوجب عليها لناحية الإصلاحات فهذا يعني أنها تريد الإنسحاب من المفاوضات مع صندوق النقد وأن مستقبل لبنان سيترك للمجهول حيث لا بديل فعليا عن برنامج صندوق النقد كبداية للإنقاذ.