فن

الكونسرفتوار في بكركي محتفلا مع الأوركسترا ب “مجد القيامة”

أحيا المعهد الوطني العالي للموسيقى – الكونسرفتوار، لمناسبة عيد الفصح، أمسية موسيقية، في الصرح البطريركي في بكركي، برعاية البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، وأداء الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية بقيادة المايسترو غارو افيسيان، بدعوة من رئيسة المعهد الدكتورة هبة القواس.

حضر الامسية الى الراعي ، وزير الثقافة في حكومة تصريف الاعمال القاضي محمد وسام المرتضى، وزير الاتصالات في حكومة تصريف الاعمال جوني قرم، سفيرة ايطاليا نيكوليتا بومبارديري، قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي، مطارنة وحشد من الفاعليات الرسمية والسياسية والعسكرية والثقافية.

تخلل الامسية قراءات انجيلية بتلاوة من الممثلين رفعت طربيه وجوليا قصار، ووصلات اوبرالية من فادي جانبار وعزف منفرد على الكمان من الموسيقار ماريو الراعي.

ووزع المعهد، بيانا عن الاحتفال وما رافقه. وجاء فيه:
“تجلى “مجد القيامة” على إيقاع مختلف هذا العام، روحيا وموسيقيا واحتفاليا بالقيامة المجيدة من الصرح البطريركي، برعاية غبطة البطريرك الكاردينال بشارة الراعي وحضوره، وأداء الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية بدعوة من رئيسة المعهد الوطني العالي للموسيقى- الكونسرفتوار هبة القواس، للاحتفال بعيد الفصح المجيد.

أنوار القيامة تلألأت على اللوحات المقدسة التي تزين زجاج “الكوبول” الملون في الباحة الخارجية للصرح، عاكسة أجواء الاحتفال المبهرة التي استهلتها الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية بقيادة المايسترو غارو أفيسيان افتتاحا بـ “أداجيو-ألبينوني”، فكانت المقطوعة جسر عبور إلى مكان أسمى ينتظر الوصول إليه الحضور في الكنيسة والمشاهدون في منازلهم عبر نقل مباشر من المؤسسة اللبنانية للإرسال، التي كانت الداعم الأكبر للاحتفال عبر رئيس مجلس إدارتها الشيخ بيار الضاهر.

حضور سياسي ووزاري وديبلوماسي وقضائي ونقابي وعسكري، وديني عبر مشاركة قسم كبير من المطارنة، ووجوه ثقافية وموسيقية وإعلامية، شاركوا في الاحتفال المميز للكونسرفتوار الوطني، الذي يحصل للمرة الأولى في بكركي منذ تأسيس المعهد الموسيقي عام 1925.

اللقاء الفريد، جمع الموسيقى والابتهال والتأملات والقراءات المقدسة والغناء الأوبرالي. فكان هذا التزاوج الفني اللاهوتي الراقي، عبر تداخل العزف السيمفوني الأوركسترالي للموسيقى العالمية، التي تنافست بعذوبتها وسموها بين روحانيات “هايدن” في “The Seven Last Words of Christ” ورائعة “هاندل” “هللويا،” التي ارتقت بوترياتها إلى الوتر الأعلى للتجلي عند الحضور. ولم يقطع السياق الموسيقي المنساب بسطوته الرقيقة على الأرواح التائقة، سوى صوتي الممثلين النجمين جوليا قصار ورفعت طربيه، اللذين أضافا بحضورهما الأنيق مزيدا من السحر على نصوص مقدسة ذات ارتباط بالقيامة وعيد الفصح. فتليا مقاطع من رسائل بولس الرسول إلى أهل كورنتس، في تقاطع وتشابك مع المقطوعات الموسيقية. بينما كان الباريتون فادي جانبار يؤدي أروع الأعمال العالمية بصوته الأوبرالي الجذاب، ليتنقل بين ” “C Frank” ورائعة “Ave Maria” ” شوبرت”، و “G Faure” وبينهما مقطوعة ل “P Mascagni”و “هاندل” مجددا، ثم مقطوعة “New Hope” للمؤلف الموسيقي إياد كنعان التي تضمنت أبعادا موسيقية ملؤها الأمل.

وأضفت معزوفة “Aspiration” للمؤلفة الموسيقية هبة القواس تناغما ساحرا لاسيما مع العزف المنفرد على الكمان للعازف عضو الأوركسترا ماريو الراعي، فقاطع الحضور المعزوفة بتصفيقهم الحار تأثرا بوقعها الموسيقي الذي تفاعلوا معه بشكل كبير.

وفي تحية من الكونسرفتوار إلى الكرسي الرسولي في الفاتيكان، مشهدية لرائعة مايكل أنجلو “الدينونة” في كنيسة سيستين في الفاتيكان، التي حولت خلفية المذبح الصخرية إلى شاشة كبيرة تعكس اللوحة ومشاهدها وتفاصيلها ومقاصد رسمها. واكب عرضها شرح علمي ولاهوتي لأبعاد اللوحة الشهيرة، من قصار وطربيه، في أسلوب تمثيلي راقٍ وأداء رشيق ورصين أدخل الحضور في عظمة العمل الفني لمايكل أنجلو، وذلك عبر تداخل الإضاءة والموسيقى في عناق فني احترافي، أوصل العمل الفني، الذي أعده المايسترو مارون الراعي، إلى أقاصي الدهشة والتفاعل والتأمل”.

القواس
وفي وسط هذه المشهدية المكتملة المعاني والدلالات، اعتلت المنصة رئيسة المعهد الوطني للموسيقى هبة القواس متوجهة إلى سيد الصرح بالشكر والامتنان على رعايته ودعمه، ومهنئة بعيد الفصح، وجاء في كلمتها:

“ما أحوجنا اليوم أن نحيا القيامة الحقيقية للبنان. وما أسعدنا أن يكون الاحتفال بالقيامة المجيدة من هذا الصرح العريق. هذا الصرح المهيب الذي شهد على قيامة الوطنِ الصغير مرات كثيرة، لا بل ساهم في هذه القيامة بحكمة بطاركته وصلاتهم عند اشتداد المحن، فكان، وما زال، المرجع الوطني والحاضن الروحي للبنان وأبنائه التائقين إلى السلام والخلاص. وكم شهدنا على رسالته السامية ودوره الجامع والموحد في أحلك الظروف والمآسي التي عاشها اللبنانيون. وكم ناضل الكرسي البطريركي في أنطاكيا وسائر المشرق، للحفاظ على لبنان الكيان والرسالة، وصونه من نوائب الدهر، منذ بطريركه الأول مار يوحنا مارون، وصولا إلى غبطة سيدنا مار بشارة بطرس الراعي، الذي حمل هذا المشعل وهذا الإرث المسيحي الماروني اللبناني العظيم، مدافعا عنه في أعرق المحافل والمنابر والصروح في العالم، كنموذج إنساني وطني قيمي فريد، ورسالة روحية نضالية يقتدي بها العالم.

وما أحوجنا اليوم، أيها الأحباء، إلى القيامة الحق، التي بشرنا بها يسوع المسيح، حمل الله، بعد جلجلة وآلام وصلب ونور وقيامة. ونحن أبناء الفداء والرجاء، نحن الاعين والتائقين إلى القيامة المنتظرة، في نفوسنا التعبة، العطشى إلى ماء الحياة، المشتتة والحزينة في مسارها الطويل على درب جلجلة، تعمقت خلالها آلامُ لبنان وازدادت اتساعا. ومن هنا من صرح اننتظر سويا قيامة لبنان الجديد. وفي هذه المناسبة الكبيرة، أردنا أن نسبح المسيح ونهلل لقيامته المجيدة، بالموسيقى، الطريق الأقصر للسماء والقلوب، والدرب الأنقى للقاء الله، والرسالة الأبلغ للاتحاد بالكون. بالموسيقى أتينا مع الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية، التي تمثل المعهد الوطني العالي للموسيقى، صورة لبنان الثقافية الراقية ووجهه الحضاري، لنبتهل لقيامة المسيح، للمرة الأولى في الصرح البطريركي منذ تأسيس المعهد عام 1925. وفي هذا اللقاء الفريد، تبرز رسالة الكونسرفتوار الثقافية الإنسانية التي تجلت طيلة عقود، كوجهة حضارية للحالمين بلبنان الثقافة والإبداع، في مقابل أصحاب المشاريع التدميرية والإلغائية والغوغائية”.

أضافت القواس :” وفي هذا اللقاء التاريخي، رسالة من المعهد الوطني العالي للموسيقى إلى اللبنانيين وإلى العالم، أن لبنان في اتحاد أبنائه ومؤسساته، قادر أن يعود منارة الشرق والشعلة الثقافية ولؤلؤة المتوسط. كما أردنا أن نجدد عبر هذا اللقاء، الرابط التاريخي الذي يجمع صرحين قدما الكثير للبنان، روحيا ووطنيا وثقافيا. كذلك أردنا أن نجدد الوفاء والانتماء لهذا الصرح الذي سيبقى أبد الدهر المظلة والمرجع لكل اللبنانيين”.

وختاما، توجهت القواس بالشكر الى البطريرك على رعايته هذا الاحتفال، وعلى “احتضانه ودعمه الكبير لمعهدنا الوطني. راجين من الله أن تبقى بكركي الصخرة الصلبة التي يتكئ عليها لبنان في محنه. فصح مجيد للجميع”وسمعنا ذلك من مختلف الدول العربية وخاصة دول الخليج العربي وهم يقولون إننا تعلمنا من لبنان الثقافة والفن. وهذه الرسالة التي حملها لبنان هي مفخرة لنا جميعا. من جهة أخرى يحضر معنا أيضا معالي وزير الاتصالات، أريد أن اقول له إن الاتصالات هي كالأوركسترا، فلنتخيلها من دون إتصالات لتصبح بصوت واحد. لبنان بحاجة إلى اتصالات، ولا أقصد الاتصالات على المستوى المادي، بل اتصالات شخصية. نحن اليوم مشرذمون ومفككون لا يستطيع أن يستمر لبنان كما هو عليه اليوم اذا لم يكن فعلا أوركسترا. فلبنان بطبيعته هو التنوع في الوحدة. ومن جهة أخرى أحيي قائد الأوركسترا المايسترو غارو أفيسيان واقول له شكرا، وتخيلوا لو لم يكن موجودا فكيف للأوكسترا أن تكون موجودة. كذلك لبنان كيف ممكن أن يكون موجودا ويكمل ويستمر من دون رئيس. نصبح كل بمفرده، كما هو البلد اليوم “كل واحد فاتح على حسابو”. الليلة أعطيتمونا أكبر تأمل بالإضافة إلى التأملات التي قدمتموها عن لوحة مايكل أنجلو في كنيسة سيستين في الفاتيكان. أنتم الليلة كنتم ناطقين وتعلمنا منكم الكثير. شكراً على جمال الثقافة التي تشكل قوانا وغنانا اللبناني.الليلة نذهب إلى بيوتنا ونحن نحمل معنا أمثولة وهي أن نكون بجمال الفن ويكون كل منا هبة في مجتمعه وفي عائلته وفي وطنه”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى