المرتضى افتتح معرضا في “الانطونية
افتتح وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى معرض صور بعنوان “اليأس والأمل” Hope& Despair الذي نظمته الجامعة الانطونية الحدت -بعبدا، برعايته، وبالتعاون مع متحف نابو في الحرم الجامعي، في حضور رئيس الجامعة الأب ميشال جلخ، رئيس اساقفة بيروت للموارنة المطران بولس عبد الساتر وحشد من الآباء الانطونيين، مؤسس متحف نابو الدكتور جواد عدرا، وحشد من القضاة والشخصيات الثقافية والأكاديمية والإعلامية.
استهل المرتضى خطابه بكلمة مرتجلة جاء فيها: “لبنان الكيان نعمة تيسرت للبنانيين، ليعيشوا فيه سويا وهم الذين ليس لهم على وجه الارض مكان آخر يمكن ان يعيشوا فيه الحياة المتميزة التي يمكن ان يحيوها في لبنان في حال تكاملوا وتعاضدوا وخرجوا من كهوف التقوقع الى رحاب الانفتاح والتحابب والتعاون”.
وقال: “لا يمكن لاي فئة من اللبنانيين ان تحتكر لبنان او تستأثر به والسبب الموجب لوجود الكيان هو ان يكون وطنا لعيش التنوع، من هنا وجب على كل فئة ان تحفظ الاخرى لكي تضمن مصلحتها التي تفرض عليها السعي للحفاظ على بقاء الوطن”.
وأضاف: “علينا كلبنانيين ان نسعى الى عهد جديد بيننا يحفظ بموجبه كل منا الآخر في وجوده وإيمانه ومقدساته وحضوره الفاعل، ويفرح به ويتكامل معه ويبني واياه وطنا نستحقه جميعا يكون نعمة الله على اللبنانيين ورسالة سامية للإنسانية جمعاء”.
وتابع: “الحربُ ليست مفردةً عزلاء، بل خطابٌ مسلحٌ يهجم على المجتمع بكاملِ عتاده اللفظي والمعنويِّ والنفسي، فينصبُ الحواجز أولًا بين القلوبِ والوجوه، ويزرعُ في الجماعةِ خوفًا من الأخرى، وفي الواحدِ خشيةً من أخيه، ويزلزلُ الثقةَ بينهما بإمكانيات اللقاء، حتى تصير المعاركُ العسكرية والمتاريس بين الأحياء مظهرًا مستساغًا، تركنُ إليه العصبياتُ وتأمنُ في نارِه المخاوف”،”لافتًا إلى انه ” لم تبدأْ حربٌ مرةً إلا بمقدِّماتٍ أصفُها على سبيل التجاوز “بالثقافية”. ولم تنتهِ أي حربٍ فعليًّا إلا بالخروجِ التامِّ من ثقافتِها. هكذا علّمنا التاريخُ الذي تشهد فصولُه المتعاقبةُ على مرّ العصور، أنَّ البؤرَ التي استوطنَتها الحروب بقيت فيها طويلًا حتى كان زمانُها يُعدُّ بمقدار ما بين حربٍ وحربٍ من هدنةٍ قليلة. لكنها لم تنجُ من سعيرِ التقاتل إلا عندما اعتمدت أجيالُها ثقافةً جديدة تُقصي عواملَ التفرقةِ ومفرداتِ الخصومات.”
مستشهدًا بما حصل في أوروبا: “ولنا على هذا دليلٌ من القارّة الأوروبية، كيف كانت الحروبُ عيشَها شبهَ اليومي حتى نهايات النصف الأوّلِ من القرن العشرين، أو أكثرَ بقليل، ثمَّ كيف تحوّلت إلى مِساحةِ انفتاحٍ وتعاونٍ، بل تكاملٍ اقتصاديٍّ وسياسيٍّ وإنساني على الرَغم من اختلافِ الأعراقِ واللغاتِ والمذاهبِ بين أبنائها.”
وأستطرد : “انطلاقًا من هذه الحقيقة الاجتماعية ترتسمُ اليومَ أمام عيون اللبنانيين أسئلةٌ عديدة: هل انتهت الحربُ الأهلية فعلًا بسكوت المدافع ورفع الحواجز والمتاريس؟ وهل زالت ثقافةُ الكراهيةِ ورفضِ الآخرِ التي عادةً ما تسود بين المتحاربين في زمن القتال؟ وماذا يحدث لو اندفعت الأجيالُ الجديدة، أو بعضُها، إلى الخطابات التي تتحكمُ فيها الغرائز؟ وتصيرُ هذه الأسئلة أكتر إلحاحًا عند تتبّع ما تنشرهُ بعضُ الأصوات الشبابية على مواقع كثيرة من تدويناتٍ وتغريدات تُسْتعادُ فيها أسبابُ الخصوماتِ وشعاراتُ المعارك؛ وهؤلاء الشبابُ لم يذوقوا من ويلات الحرب شيئًا إلا مرويّاتٍ تنظرُ إلى التاريخ بعينٍ واحدة ليست موضوعيةً في أكثر الأحيان”، داعيا الى التركيز على ما يجمع بين ابناء الوطن : ” إزاء هذا كلِّه يصبحُ من اللازم تداركُ الأمر بالعمل الدؤوبِ على تعميم ما يجمع بين الإخوة المواطنين بدلًا من التركيز على ما يفرّق. إنها مسؤولية تقع أولًا على عاتق الأحزابِ والجماعات السياسية وعلى عاتق المرجعيات والمؤسسات الدينية، أن تدرّبَ التابعين اليها على الإيمانِ بلقاءِ الآخر، وتقبُّلِه، ومحبتِه كما هو، والعيشِ معه بسلام، كما تقع أيضاً على عاتق اكثر من جهةٍ رسمية منها وزارة الثقافة التي تحاول استيفاء واجباتها على هذا الصعيد على الرغم من مجمل الظروف السائدة”.
وعن مغزى تنظيم المعرض، اشار المرتضى الى أن “معرِضَ اليأسِ والأمل الذي نفتتحه اليوم بتنظيم إدارة مُتحَفِ نابو في هذه الجامعة العريقةِ العزيزةِ على قلبي هي والقيّمين عليها، يُشكّل بالنسبة إلى وزارة الثقافة فرصةً راقيةً لإعلان الأملِ بأنَّ اللبنانيين مصممون على الأخذ بثقافة السلام الداخلي الذي هو شيءٌ سريعُ العطب، تمامًا كالصحة، فهو بحاجة إلى كثيرٍ من الظروف الملائمة والإرادات الحسنة المتضافرة”، كما جاء في قولٍ مأثور. واللبنانيون إذ يتذكرون الحرب المشؤومة التي فجَّرَتْ وهجَّرَت، ورمت في قلوبِ الأبرياء يأسًا من الوطن، فإنما يستعيدون هذه الذكرى للعِبرةِ والتأسّي بجراحاتِ الماضي كي لا تُثْخِنَ جسدَ المستقبل”.
وأردف :”مناسبةٌ يجبُ أن تنتشر في المناطق اللبنانية كافةً، وأن ترافقَها فعالياتٌ ثقافيةٌ مختلفة تساعدُ على بلوغِ الغايةِ المتوخاةِ منها، وهي أن يُدرك جميعُ المواطنين من دون استثناء أنّ الحروبَ الداخليةَ تُدمِّر الأوطان من غير أن تفضي في النهاية إلى انتصار جهةٍ على أخرى، ولذلك تُقفَلُ فصولُها دائمًا بتسوياتٍ ومصالحاتٍ بعد أن يكونَ الخرابُ قد عمَّ من غير طائل. علمًا أن الحربَ الداخلية تختلف جدًّا عن الحرب التي تخاض ضد الأعداء الخارجيين الطامعين في الاستيلاء على أرض الوطن أو على قراره وثرواته وسيادته أو المستهدفين بشرّهم صيغته الفريدة لا لشيءٍ الاّ لكونها النقيض لهم الفاضحة شاعة كيانهم العنصري المقيت. فهذه أحرى بها أن تسمّى دفاعًا عن النفس ضد العدوان، وأن يكون من أهم وسائل النصر فيها وحدةُ الجبهة الداخلية. ”
وختم وزير الثقافة: “لبنان، الذي اشتُقَّ اسمُه من بياضِ الثلج على جباله، كما في أكثر التفسيرات، يهيبُ بأبنائه كلِّهم أن تكون قلوبُهم بيضاء، ناصعةَ المحبةِ ساعيةً إلى احتضان اللقاءِ الوطني في العيشِ الواحد بحزنِه وفرحِه، بازدهارِه وانكماشه، بيأسِه وأمله، وأن يطرحوا عن شفاهِهم الخطابَ الأسود الذي ينشرُ العتمةَ في فضاء الوطن، وأن يؤمنوا بأن إقامة السلام عملٌ ثقافيٌّ تربويٌّ مستدام، وأن كلَّ ما يجب على أهل السياسة أن يتخذوه منهجًا وغايةً هو إبعادُ الحرب الأهلية وبناء السلام الداخلي. على هذا الرجاء، نتحرّر من الألم ونعقد الأمل بالغد الأفضل”.
وجدد المرتضى التهنئة للبنانيين جميعًا بالأعياد المباركة: “تلك التي مرت، والتي نحن اليوم فيها والتي ستأتي الأسبوعَ المقبل بإذن الله. عشتم جميعاً عاشت الجامعة الانطونية وعاش لبنان”.