سياسة

عودة في قداس الفصح: ليت نوابنا يستعملون عقلهم عوض الغرائز الطائفية والمصالح والولاءات

ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة، خدمة الهجمة وقداس الفصح في كاتدرائية القديس جاورجيوس، بحضور حشد من المؤمنين.

بعد الإنجيل المقدس، ألقى عودة عظة قال فيها: “المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت، ووهب الحياة للذين في القبور. إن قيامة المسيح هي الحدث الأعظم في التاريخ. إنها ما يميز المسيحية عن سواها. فجميع الأباطرة والقادة والزعماء ماتوا رغم بطشهم وقوتهم. وحده رأس الكنيسة، المسيح القائم من بين الأموات، حطم شوكة الموت، وقوة الشيطان، ومملكته، وهو حي إلى الأبد”.

أضاف: “قيامة المسيح هي تجديد للطبيعة البشرية، وإعادة خلق للجنس البشري، وعيش للحقيقة الأخروية. هي تحمل معنى عظيما لحياة المؤمنين، إذ بها عاد الإنسان إلى وضعه الأول، لا بل ارتفع فوقه. يقول الرسول بولس: “إن لم يكن المسيح قد قام فباطل إيمانكم” (1كو 15: 17). كل شيء في الكنيسة، وفي حياة أعضائها، مؤسس على قيامة المسيح، من المعمودية حتى الإنتقال من الحياة الأرضية إلى الملكوت السماوي. ففي المعمودية يموت إنساننا العتيق، ونقوم من جرن المعمودية مع المسيح جددا، ونحيا كل أيام حياتنا مجاهدين من أجل الحفاظ على لباس معموديتنا أبيض نقيا، لكي نستأهل الوقوف أمام منبر المسيح في القيامة العامة، مبررين وبلا دينونة. إذا، حقيقة الإيمان وقوته تعودان إلى حقيقة قيامة المسيح الساطعة الضياء، التي من دونها يكون المسيحيون “أشقى جميع الناس كما قال بولس الرسول (1كو 15: 19)”.

أضاف: “لا أحد يعرف التوقيت الفعلي لقيامة الرب، لأن أحدا لم يره حينها. فعندما جاءت النسوة حاملات الطيب ليطيبن جسده، شهدن القبر الفارغ. إذا، الأحد، أول أيام الأسبوع، هو يوم قيامة المسيح. فيه تأكد للجميع بأنه قام، وداس الموت، وقهر الشيطان، رغم أن مفاعيل القيامة قد بدأت بالظهور عندما أسلم روحه على الصليب. نهار الأحد مهم في العهد القديم لأنه أول أيام الخلق، فيه خلق الله النور. يسمي القديس باسيليوس نهار الأحد “أول الأيام، المماثل للنور عمرا”، لهذا، نسمع في إنجيل اليوم كلاما على النور، الذي يضيء الظلمة، والذي جاء إلى العالم لكي ينير ظلمة خطاياه، إلا أن العالم لم يقبله، بل أسلمه إلى موت الصليب. لقد وجد النور في أول أيام الخلق، وفي يوم الأحد كانت إعادة الخلق، عندما ظهر نور القيامة. لذلك تحتفل الكنيسة كل أحد بقيامة المسيح. إنه فصح أسبوعي صغير، مثلما هناك عيد فصح كبير سنوي، فنصوم قبل الإشتراك في سر الشكر، كما صمنا طيلة الأربعين يوما لنستحق المشاركة في مائدة الفصح السرية. ينبغي ألا يحتفل بقيامة المسيح كحدث تاريخي أو اجتماعي، بل كحدث وجودي. هذا يعني أن الاحتفال يجب أن يكون اشتراكا في نعمة القيامة. الصوم الذي يسبق العيد هدفه المشاركة الأفضل في سر القيامة، التي تتطلب تنقية حواس النفس والجسد. لذلك نرتل اليوم: (لننق حواسنا حتى نعاين المسيح ساطعا كالبرق بنور القيامة الذي لا يدنى منه). يقول القديس غريغوريوس بالامس: (على الإنسان أن يتنقى، ثم عليه أن يتغير بالنقاوة)”.

وقال عودة: “فلنصل من أجل أن يسعى مسؤولو هذا البلد إلى النقاوة كي يتسرب النور إلى عقولهم وقلوبهم، ويفضح ما عشش فيها من فساد، ويطرده خارجا. عندئذ تبدأ المسيرة الحقيقية نحو قيامة الوطن والمواطن من الهوة الجحيمية التي حفرت وعمقت فابتلعت الجميع. قرابة سنة مضت على انتخاب أعضاء هذا المجلس النيابي، وشهور مضت على فراغ في سدة الرئاسة أخرج البلد من دائرة الثقة العالمية، وثقة المواطنين، كما حصل بعد تفجير المرفأ، الذي دمر نصف العاصمة، وأودى بحياة أكثر من مئتين من أبنائها، دون الوصول إلى كشف المجرم الحقيقي، لا بل شل القضاء من أجل طمس الحقيقة. مسؤولو الوطن أصبحوا سببا لموت البلاد والعباد، بعدما عاثوا الفساد في كل المرافق والقطاعات، لا سيما قطاع التعليم الذي يقيم العقول من ظلمة الجهل، وقطاع الإستشفاء الذي يحمي الأجساد من الوصول إلى ظلمة القبر، فغرق لبنان الأخضر في سواد عظيم، في ظلمة فكرية وخوف من الموت، جعلا المواطنين لقمة سهلة يمضغها المتزعمون والمتسلطون ذوو المصالح”.

وشدد على ان “بلدنا بحاجة إلى تجديد، إلى إصلاح حقيقي يطال كافة المجالات. والإصلاح يقتضي وجود قرار سياسي، والقرار مفقود لأن البلد بلا رأس، وبلا حكومة فاعلة. أما المجلس النيابي فقد انقضى ربع ولايته وما زال مشوشا، مشتتا، وبلا قرار. حتى أبسط واجباته لم ينجزها، وأولها انتخاب رئيس للبلاد. أما دوره في المراقبة والمحاسبة فشبه غائب، وفي التشريع لم يتوصل بعد إلى إقرار القوانين الإصلاحية الضرورية لوقف التدهور وإنهاض البلد”، سائلا “هل الديموقراطية شعارات نتغنى بها ولا نطبقها؟ أليس المجلس النيابي صمام الأمان للبلد؟ أليس من واجبه حماية الدستور وتطبيقه؟ هل يتساءل النواب عما فعلوه خلال السنة المنصرمة؟ هل يدركون المخاطر المحدقة بنا جراء استباحة أرضنا؟ وجراء تضاعف أعداد غير اللبنانيين، التي ستفوق قريبا عدد اللبنانيين؟ هل يحاسبون أنفسهم على عدم القيام بواجبهم وعدم احترام المهل الدستورية وتجاهل الإستحقاقات؟ هل هم مطمئنون إلى عدم انتخاب رئيس؟ وهل يحتاج المجلس إلى أشهر للانتخاب؟ أهذا ما ينص عليه الدستور؟ في الماضي كان النواب ينجزون واجبهم في انتخاب رئيس الجمهورية في ساعات، لأنهم كانوا يحترمون أنفسهم، ويحترمون المهل الدستورية، ويحترمون واجبهم وشعبهم. ليت نوابنا يقرأون دستور البلاد جيدا، وليتهم يستعملون عقلهم وحسهم الوطني عوض الغرائز الطائفية والمذهبية، والمصالح والولاءات. ليتهم يكفون عن تبادل الإتهامات، وعن التكاذب، والتحايل على الدستور، ويقررون دخول قاعة المجلس وعدم الخروج منها قبل إتمام عملية الإنتخاب. ليتهم يعملون فقط من أجل مصلحة لبنان”.

وختم عودة: “في هذه الأوقات الحرجة من تاريخ بلدنا، جميعنا مدعوون إلى التعالي على الأنانيات والصغائر، والإرتقاء إلى مستوى إنقاذ البلد. عالمنا يرزح تحت ثقل أهواء قاتلة، وأنانية وظلم يتحكمان بمصائر البشر في بلدنا، وفي أرض المسيح فلسطين، وفي العالم أجمع. مأساة الإنسانية هي في المطامع الناتجة من عبادة المال والسلطة، وهي تستهدف جذور الإنسان الخيرة وتقضي على حريته وكرامته وسلامه. لذا نصلي من أجل أن يسود سلام المسيح العالم أجمع. نصلي من أجل أن تعم المحبة والعدل والحق، وأن يشرق المسيح القائم نوره القيامي على وطننا، فيشفيه من الأمراض التي أصابه بها من تولوا مسؤولية العناية به. صلاتنا أن يزرع إلهنا القائم بذور الرجاء في قلوبنا، وأن يبلسم جراحنا، ويشفي مرضانا، ويعيد أسرانا، وعلى رأسهم أخوينا المطرانين بولس ويوحنا. نصلي من أجل أن يقوم لبنان من كبوته، ببركة قيامة الرب الخلاصية، لكي نصرخ فرحين: المسيح قام، وأقامنا معه منتصرين على الموت والفساد، آمين”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى