شريحة سيليكون متطورة تكشف عن 70,000 وصلة عصبية مخفية
ابتكر باحثو جامعة هارفارد شريحة سيليكون متقدمة مزودة بأقطاب ميكروية، مما مكنهم من تسجيل أكثر من 70,000 وصلة عصبية بين خلايا دماغية في الفئران، هذا الاختراق العلمي، الذي يتفوق على الأساليب السابقة من حيث الدقة والنطاق، قد يُحدث تغييرًا جذريًا في فهمنا لكيفية اتصال الخلايا العصبية وعملها داخل الدماغ.
رسم خرائط آلاف الوصلات العصبية بدقة غير مسبوقة
نجح الباحثون في تسجيل وفهرسة أكثر من 70,000 وصلة عصبية من حوالي 2,000 خلية عصبية في دماغ الفئران، باستخدام شريحة سيليكون متطورة يمكنها اكتشاف الإشارات العصبية الدقيقة من عدد كبير من الخلايا في نفس الوقت.
تم نشر الدراسة في مجلة Nature Biomedical Engineering، وتشير نتائجها إلى طفرة علمية قد تساعد العلماء في بناء خريطة تفصيلية للوصلات العصبية، مما يعمّق فهمنا لكيفية تواصل الخلايا العصبية فيما بينها.
التحديات في قياس قوة الإشارات العصبية
تعتمد الوظائف الدماغية المعقدة على الطريقة التي تتصل بها الخلايا العصبية، حيث تحدث هذه الاتصالات عند نقاط الاشتباك العصبي (المشابك العصبية)، ومع ذلك فإن الطرق التقليدية مثل المجهر الإلكتروني رغم قدرتها على تصور المشابك العصبية، فإنها لا تستطيع قياس قوة الاتصال العصبي، مما يحد من فهمنا للكيفية التي تعمل بها الشبكات العصبية.
أما تقنية التسجيل البقعي (Patch-Clamp)، فهي تُعتبر المعيار الذهبي لدراسة النشاط العصبي، لكنها تعاني من صعوبة تسجيل الإشارات من عدد كبير من الخلايا في وقت واحد، مما أعاق بناء خرائط عصبية شاملة حتى الآن.
تقنية الأقطاب الميكروية: اختراق علمي في قياس الإشارات العصبية
قاد الفريق البحثي البروفيسور دونهام هام من كلية الهندسة والعلوم التطبيقية بجامعة هارفارد، حيث طوروا شريحة تحتوي على 4,096 قطبا ميكرويا مدمجا في رقاقة سيليكون، مما سمح بتسجيل الإشارات العصبية داخل الخلايا على نطاق واسع.
تمكنت هذه الشريحة المتقدمة من تسجيل إشارات عصبية غير مسبوقة، حيث كشفت عن 70,000 وصلة عصبية مقارنة بـ 300 وصلة فقط باستخدام الإبر النانوية التي طورها نفس الفريق في عام 2020.
تصميم الشريحة الجديدة: قفزة في سهولة التصنيع ودقة الأداء
بفضل التصميم المبتكر، أصبحت هذه الشريحة أكثر كفاءة وأسهل في التصنيع من التصاميم السابقة، يقول جون وانغ، الباحث في الفريق:
تتشابه الأقطاب الميكروية مع أقطاب تقنية التسجيل البقعي، لكنها توفر اتصالًا أفضل داخل الخلايا العصبية، وهي أيضا أكثر سهولة في الإنتاج، مما يجعلها أكثر قابلية للتطبيق على نطاق واسع.
قفزة نوعية في رسم الخرائط العصبية
أظهر التصميم الجديد للشريحة نتائج مذهلة فاقت التوقعات، حيث نجح 90% من الأقطاب (حوالي 3,600 قطب) في التفاعل المباشر مع الخلايا العصبية، مما مكّن الفريق من تسجيل إشارات عصبية دقيقة وتحديد خصائص كل وصلة عصبية بدقة عالية.
“الدور الذي تلعبه الإلكترونيات المدمجة في الشريحة السيليكونية لا يقل أهمية عن الأقطاب الميكروية نفسها، حيث توفر تيارات كهربائية دقيقة تسمح بالتسجيل الفوري للإشارات العصبية داخل الخلايا”، وفقا لما قاله الباحث وو-بين جونغ، أحد أعضاء الفريق البحثي.
تطبيق التقنية في أدمغة الكائنات الحية
رغم هذا الإنجاز، فإن التحدي الأكبر الذي يواجه الفريق الآن هو تحليل الكم الهائل من البيانات العصبية التي تم جمعها. يقول هام:
“لقد قطعنا شوطا طويلًا في فهم الوصلات العصبية، ونحن نعمل الآن على تصميم نسخة أكثر تطورا يمكن استخدامها في أدمغة الكائنات الحية.”
إذا نجح الفريق في تحقيق ذلك، فقد يمهد هذا الاكتشاف الطريق لفهم أعمق لأمراض الدماغ مثل ألزهايمر وباركنسون والصرع، وربما حتى تطوير علاجات جديدة قائمة على الهندسة العصبية.
المصدر: النهضة نيوز