وفاة الدكتور سماح أدريس بعد صراع مع المرض ….
بعد صراع شرس مع السرطان خلال الأسابيع الأخيرة، رحل الدكتور سماح إدريس (14 تشرين الأول 1961-25 تشرين الثاني 2021)، أحد أركان أسرة “دار الآداب” العريقة ورئيس تحرير مجلة “الآداب” (منذ 1992 لغاية 2012) التي أسسها والده سماح إدريس، قبل أن يتولى رئاسة تحرير إصدارها الإلكتروني منذ عام 2015، وصاحب كتابان في النقد الأدبي، إلى رصيد ثري من الدراسات الثقافية واللغوية والمقالة والكتب المترجمة وأربع روايات للناشئة وأحدى عشرة قصة مصوّرة للأطفال، فضلاً عن مشاركته في تأسيس “حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان” التي شكّلت أحد روافد نضاله المتعددة ضدّ الكيان الصهيوني، إلى جانب دأبه على نشر الفكر العلماني وتجديد المقاربة القومية العربية.
وكان إدريس أخيراً في طور إنجاز معجمّ عربيّ من ثلاثة أجزاء بعنوان “المنهل العربي الكبير” عن دار الآداب، مستأنفاً مساهمة والده الدكتور سهيل إدريس وبمشاركة العلامة صبحي الصالح، وهو يُعدّ أهم وأشمل معجم عربي-عربي.
تشرب إدريس شغف اللغة العربية ووضعها في صلب التزاماته، لعل التحرير اللغوي رفيع المستوى لمجلة “الآداب” أحد أهم معالمها. ومن مقولاته حول الترجمة وعلاقته باللغة العربية في يومها الدولي: “كل أيّامي تقريباً باللغة العربية، حتى (بل خصوصاً) حين أترجم إليها. وحين أقرأ بلغة أخرى وأتأمل ما قرأته، يصعب أن أستدخله في رأسي بغير اللغة العربية. اللغة العربية حياة، لا يوم”.
وصبّ سماح إدريس مجهوداً خاصاً في الكتابة للأطفال باللغة العربية، وحرص على تبسيط الفصحى للأطفال “تحيّة إلى كلّ مناضل لغوي يعمل على تعزيز العربية ونشرها وتجديدها وتقريبها إلى الأطفال والناشئة. وكسر الله يد كلّ من نفّر أطفالنا وناشئتنا منها بزعم “حبه” البالغ لها”. ومن القصص المصوّرة للأطفال التي صدرت لإدريس، نذكر “تحت السرير”، و”حين قرر أبي”، و”أم جديدة”، و”طابتي الذكية”، و”الشباك”، و”الملجأ”، و”عالم يسع الجميع”، وخلف الأبواب المقفلة”، وفلافل النازحين”.
حاز سماح إدريس على دكتوراه في دراسات الشرق الأوسط من جامعة كولومبيا الأميركية، وماجستير اللغة العربية وآدابها من الجامعة الأميركية في بيروت وليسانس في الاقتصاد من الجامعة نفسها.
من مؤلفاته في النقد الأدبي “رئيف خوري وتراث العرب” (1986)، و”المثقف العربي والسلطة: بحث في روايات التحربة الناصرية” (1992)، وساهم في ترجمة “صناعة الهولوكوست: تأملات في استغلال المعاناة اليهودية” (2001) و”إسرائيل، فلسطين، لبنان: رحلة أميركي يهودي بحثاً عن الحقيقة والعدالة” (2008) لنورمان فينكلشتاين، و”الماركسية والدين والاستشراق” (2015) لجيلبر الأشقر.
إثر التدهور السريع لصحته، تلقى سماح إدريس العديد من الرسائل التي تدعوه إلى التماسك والصمود، وكان ينشرها على حسابه على “فايسبوك”، من بينها رسالة من المناضل اللبناني في السجون الفرنسيةجورج ابراهيم عبد الله.
آلمت إدريس الأزمات المتصاعدة التي تحاصر لبنان من كلّ حدب وصوب، لكنّه تمسّك برسالة الثقافة والكتابة والنشر. وكتب في مجلة “الآداب” التي صدر عددها الأخير في تموز 2021 افتتاحية عنوانها “ترف الانتاج الثقافي المستقل؟”، تطرق خلالها لعوائق الانتاج الثقافي والنشر في ظروف لبنان المتهالكة، خاتماً بما يحلّ اليوم بمثابة وصية: “ومع ذلك، فنحن لا نملك مهنةً غيرَ الكتابة والنشر المستقلّيْن. وسنواصل هذه المهنة، مهما صعبت الظروف، ومهما تعثّرْنا أو تأخّرْنا أو كبوْنا. وسنكون إلى جانب كلِّ من يعمل، بكدّ وتفانٍ وحبّ، على الخلاص من سارقي أحلام شعبنا في الحياة الكريمة الحرّة”.
أسرة موقع ” لينا نيوز ” تتقدم باحرى التعازي الى عائلة الفقيد وتتمنى لهم الصبر والسلوان .