بقلم : جهاد أيوب : سونيا بيروتي أديبة الإعلام وسيدة الشاشة…قد رحلت
بقلم// جهاد أيوب
تهذيب، حسم، وقار، تواضع الكبار، ضد المظاهر، لم تتقيد بطلة المرأة الكلاسيكية، تحررت من الشكل لصالح ما في رأسها من فكر وثقافة، وحالة غنية في الإعلام، وثرية في المهنة والبوح والثقافة والصحافة المكتوبة وعبر الشاشة الفضية…إنها سونيا بيروتي.
سونيا بيروتي التي غيبها الموت منذ أيام هي ذاكرتنا المشعة، كانت في حينه الحدث، واستمرت لكونها تمتلك ثقافة عالية في فهم الإنسان والوطن، من كان معها، ومن جايلها من نساء ورجال غابت عنهم الشمس، وحتى الذكرى، بينما سونيا نعود إلى كتابها وحضورها وأسلوبها دائماً، لا بل شكلت مدرسة شكلاً ومضموناً!
في الصحافة المكتوبة حيث بدأت مشوارها، وانطلقت من ” دار الصياد” الأهم في الإعلام العربي، في هذا المجال كانت صاحبة قضية ولم تفارقها، القضية الأولى المرأة والقضية الثانية الوطن…نعم، سونيا في كل كتاباتها تحقيقاتها سخرت قلمها لهذه القضايا!
مع قضية المرأة لم تكن كما هو حاصل اليوم، بل كانت تدرك أهمية دور المرأة، وتذكرها به، ولكنها كانت تطالبها بالعلم وبالثقافة وخلع عباءة الخوف من رأسها، ومشاركة الزوج والأخ بمعترك الحياة!
في قضية الوطن لم تكن عنصرية أو طائفية معقدة، كانت منفتحة، محاورة، جادة في بناء الوطن على عكس ما هو سائد في أيامها وإلى اليوم، وكانت تتوقع تكرار تجارب الحروب في لبنان، لكوننا لم نتعلم أصول الوطنية، ولآن الطائفية والعنصرية مغلغلة فينا، وهي تمقت ذلك، لا بل في آخر حديث جمعنا عبر الهاتف، اعتبرت الطائفية السم الذي يقتل لبنان!
هي في الذاكرة الذهبية، كنا نتابع اخبارها، مقالاتها، كتبها وبرامجها، وأكذب لو قلت لم نتعلم منها، ولم نستفد منذ بداياتها إلى رحيلها، فالكلام مع سونيا بيروتي تجربة مفيدة!
في منتصف العام الماضي 2022 تواصلت معها لأكثر من مرة عبر الهاتف، ورغم صعوبة أخذها إلى حوار أنا أريده، كانت ذكية تبوح بما تشتهي هي، ومن ثم هي بادرت بالاتصال بي أكثر من مرة، وقالت لي:” يا إبني عم شوفك عبر شاشة تلفزيون لبنان، ثقة وتهذيب، وذاكرة قوية…أنت مهم خاصة برنامجك يتطلب الاعداد المتعب، أنا انصح الجميع بالاعداد الجيد حتى تربح المشاهد، وأنت هيك”…كنت ارد بالشكر، وبأنها هي المهمة، ونحن أولاد أمام تجربتها الرائعة…
صداقتنا تمتنت عبر الهاتف، وفجأة لم تعد ترد، واحتفضت ببعض التسجيلات الصوتية التي كانت مخصصة لحلقة سيمون اسمر التكريمية…
حينما سألت سونيا عن الوطن وتلفزيون لبنان وسيون أسمر قالت:” عم توجعلي قلبي كتير، ومن غير شي قلبي بيوجعني…بس يا استاذ أيوب…حينما اشتغلت في التلفزيون غالبية المخرجين كانوا في فترة تجريب…واللقاء مع سيمون أسمر تم على باب مصعد التلفزيون…والله أنا مشتاقة لتلفزيون لبنان”!
أذكر كانت دائماً تشير إلى كونها متطلبة في عملها التلفزيوني وفي الصحافة المكتوبة، ولم تتنازل عن ذلك ابداً، تريد الافضل، وأن تتابع كل شاردة وواردة في مهمتها ومواضيعها، وبأن على الإعلامي أن يقرأ كل المواضيع من التاريخ إلى الفن والمجتمع والثقافة، ويدون كل ما قرأه …”الصحافي من غير قراءة فراغ في مهنته”…
اخبرتني أن على المذيع أن يثق بالمخرج، حينها يستسلم له، لآن المذيع لا يعرف ماذا يفعل المخرج، وبأنها وثقت بالمخرج سيمون اسمر، “لا بل هو الوحيد الذي كنت أثق به”!
سونيا بيروتي الأديبة هي سونيا بيروتي الإعلامية، اتزان في الطرح، مشبعة بما تقوم به، واختلاف عن الجميع، ومسؤولية بما تكتب وتقدم وتعمل، لذلك منذ انطلاقتها كانت لافتة، وحاضرة، وتبشر بإشراقة الشمس، ولم تنغر، واستمرت بتواضع الكبار، وكلما مدحتها، ترفض المديع، وتبتسم!
اعتمدت سونيا في التقديم على شكل مغاير ” غارسون” شعر قصير كقصة الشباب، وركزت على نبرات صوتها الغنية بالدلال والعلم وأصول استخدام الصوت والنفس، ولم تكترث لملابس تدل على إنها إمرأة، بل ارتدت البنتلون والجاكيت، ومع ذلك فرضت أسلوبها المثقل بالثقافة وبالثقة، وتفردت بعالم الإعلام إلى يومنا هذا…
سونيا بيروتي المدرسة الثرية تتطلب منا أكثر من وقفة، وأكثر من مقالة…على أمل أن نعرف تكريمها….
▪من تجاربها
على صعيد التلفزيون قدمت الكثير من البرامج، ولكن ” ستديو” الفن غلب على الحضور.
وعلى صعيد إصداراتها الفكرية نذكر:” مطاحن الطائفيّة، وحبال الهوا، ومواعيد مع البارحة، ومدار اللحظة”.