سياسة

واشنطن تفاوض محمد الضيف على ’’الرهائن‘‘ و’’مخارج‘‘ المستقبل

عززت الحرب الاسرائيلية على غزة الحضور العسكري الأميركي في الشرق الأوسط برا وبحرا وجوا. والعنوان الأساسي لهذا الحضور شكلا هو الحؤول دون توسيع رقعة الحرب إلى حرب اقليمية. لكن ما هو أبعد من هذا العنوان المباشر إيحاء واشنطن إلى الفاعلين الاقليميين من طهران وأنقرة وتل أبيب والرياض بأنها الفاعل الرئيسي في المنطقة لمرحلة ما بعد الحرب على غزة في تحديد الأفق السياسي والمخارج المطلوبة.
لا أحد يستطيع أن ينكر أن الغرب وفّر دعما أساسيا لاسرائيل في حربها على غزة. وتحت عنوان ’’حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها‘‘ برّر سياسات القتل الاسرائيلية والتهجير والعقاب الجماعي والتجويع وقصف المستشفيات والمدارس وقطع الإتصالات والكهرباء والماء والتضليل الاعلامي وحجب صورة المجازر. والاعتراض على سياسة الغرب هذه لم يأت من جانب الدول الاسلامية والعربية فعليا بل من جانب الشعوب الغربية التي تظاهرت في واشنطن ولندن وباريس وبرلين ومدريد وفي البلدان الاسكندنافية وشكلت عنصر ضغط حقيقي على الرؤساء والحكومات الغربية وطالبت بوقف الحرب وأدانت المجازر واستغربت ازدواجية المقاييس الغربية في التعامل مع القواعد التي يرسيها القانون الدولي الإنساني.
إنما الأفق السياسي لمرحلة ما بعد الحرب الاسرائيلية حددته واشنطن بـ’’حل الدولتين‘‘: دولة اسرائيل ودولة فلسطين من دون الارتباط بجدول زمني محدد. وبديلا لشعار وقف النار، طرحت واشنطن فكرة الهدن المؤقتة وأباحت إمكانية متابعة اسرائيل حربها على حماس وأزاحت نظريا إمكانية مشاركة ’’كتائب القسام‘‘ في السلطة على غزة مستقبلا. كما أن واشنطن نجحت في ضبط جنوح رئيس الحكومة الاسرائيلية نتنياهو ومعه اليمين الديني الاسرائيلي في تهجير أهالي غزة إلى سيناء كما في استمرار احتلالها وإدارتها الأمنية. كما أن واشنطن نجحت في إرساء إبقاء الحرب الاسرائيلية في حدود معينة. فلا توسيع لرقعة الحرب إلى وضع اقليمي متفجر ولا إتاحة المجال لاسرائيل بالاستفادة من الدعم الغربي بفتح الحرب على لبنان التي لا يخشاها ’’حزب الله‘‘ الذي تبنى عمليا نظرية ’’الجهاد الكفائي‘‘ المساندة لغزة والتي ترتكز إلى اقتناع كلي بأن ’’حركة حماس‘‘ قادرة على الصمود وإلى اسنزاف الآلة العسكرية الاسرائيلية وإلى امتلاكها أوراقا كثيرة في المستقبل سواء في حرب الأنفاق أو في المفاوضات حول الأسرى الاسرائيليين وحتى حول مشاركتها في السلطة في غزة.
واضح أن المسار إلى ’’حل الدولتين‘‘ طويل. والوصول إلى ذلك يقتضي أكثر من سنتين حتى في الحسابات الأميركية المتفائلة… وهكذا المشكلة الفعلية هي في الترتيبات السياسية والأمنية في غزة التي تسبق ذلك. واشنطن تجد المخرج في ترتيبات دولية عسكرية وأمنية. وشكليا اسرائيل تشكك بنجاح هذا الخيار. فيما ’’حماس‘‘ تعتبر أن أية ترتيبات هي من حق الشعب الفلسطيني وحده. وأما الدول العربية والاسلامية فتلتزم بالصمت وعدم الدخول في التفاصيل وتكتفي بالشعار العام حول إقامة الدولتين.
المأزق الفعلي للسياستين الأميركية والاسرائيلية هو ’’حماس‘‘. والسبب أن عملية ’’طوفان الأقصى‘‘ شكلت زلزالا حقيقيا. كما أن سياسة المجازر الاسرائيلية واستهداف الأطفال إضافة إلى قتل المدنيين في الضفة الغربية أدّت إلى ’’التماهي‘‘ بين الشعب الفلسطيني وبين ’’حماس‘‘ ما يسستبع إعادة نظر في الحسابات الأميركية. فهذا ’’التماهي‘‘ أسقط النظرية الغربية والاسرائيلية حول التطابق بين ’’حماس وداعش‘‘ وأعطى لـ’’حماس‘‘ بعدا فلسطينيا وعربيا وإسلاميا أوسع يكثير من هوية ’’الاسلام السياسي‘‘ والتعريف الأيديولوجي. وأكثر من ذلك هذا ’’التماهي‘‘ أضعف إلى حدود كبيرة مكانة ’’السلطة الفلسطينية‘‘ التي تريد واشنطن إشراكها في الترتيبات الآيلة إلى حل الدولتين. وفي المخارج المرتقبة أن تعيد واشنطن النظر في مقاربتها لـ’’حماس‘‘ خصوصا وأن هذه الأخيرة لمّحت إلى قبولها بـ’’حل الدولتين‘‘ وإلى أية ترتيبات سياسية يرتضيها الشعب الفلسطيني. والأرجح أن الأميركي براغماتي كما أن الأولوية الإسرائيلية هي إلى إطلاق الأسرى… وهذا الأمر يرتبط بالتفاوض القسري مع القائد العسكري لكتائب القسام محمد الضيف… لكن المسألة تحتاج إلى وقت وإلى انحسار هيمنة اليمين الديني الاسرائيلي وتغيّر موازين القوى…
عبد الهادي محفوظ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى