سياسة

مفتي صور لـ”لبنان الكبير”: لتحرير العقارات وصندوق الدار فارغ ولا قوى تجمع السنة بغياب “المستقبل..”

كتب حامد الدقدوقي
يبدأ موقع “لبنان الكبير” نشر سلسلة مقابلات مع مفتي لبنان تحت عنوان “العمائم البيضاء”، ويستهلها بمقابلة مع مفتي صور ومنطقتها الشيخ مدرار الحبال.
واحدة من أقدم المدن الساحلية في حوض البحر الأبيض المتوسط، تتميز مدينة صور الواقعة على الساحل الجنوبي للبنان بتنوعها الروحي والثقافي والطائفي.
يبلغ عدد سكان القضاء القاطنين فيه حوالي 167,500 نسمة، غالبيتهم من الطائفة الشيعية الاثني عشرية، بحيث تشكل نسبة 80% من السكان، بينما تحل الطائفة السنية في المرتبة الثانية بفارق كبير اذ تشكل 8%، وتتوزع النسبة الباقية على الطائفة المسيحية، فيشكل الروم الكاثوليك 4%، والموارنة 2% والأرمن الأرثوذكس 1%.
وينتشر حول مدينة صور العديد من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وأهمها: مخيم الرشيدية، مخيم برج الشمالي، مخيم البص ومخيم القاسمية، إضافة إلى عدد كبير من التجمعات السكانية المحيطة بهذه المخيمات وهي من المسلمين السنة.
بعد انقطاع دام ما يقارب سبعين سنة، وفي العام 2006، عُيّن الراحل القاضي الشيخ محمد دالي بلطة كأول مفتٍ للمسلمين السنة في مدينة صور ومنطقتها. وبعد وفاته عام 2010، وفي النصف الثاني من العام 2011، كلف الشيخ مدرار الحبال مهام الإفتاء في المنطقة.
في الآونه الأخيرة نفذ خمسة عشر مشروعاً في مدينة صور ومنطقتها، شملت بناء المساجد وتوسعتها. وقال مفتي صور ومنطقتها الشيخ مدرار الحبال لموقع “لبنان الكبير”: “لأننا نحرص على أن يكون دور المساجد توعوياً إرشادياً وليس منبراً ووسيلة للعمل السياسي أو الحزبي، فقد تم ربط المساجد كلها وبالتالي ربط الأئمة والخطباء. وحتى من لديه ميول سياسية أو التزام حزبي، يكون في الوظيفة الدينية تحت إرشاد الإفتاء، وبالتالي تم تثبيت مرجعية دار الفتوى في المساجد والعمل الديني.”
وبحسب قانون الانتخابات الصادر عام 2017، والذي قسّم لبنان إلى 15 دائرة انتخابية، حيث يقوم الناخبون فيها باختيار نوابهم بنظام التمثيل النسبي، تتمثل دائرة صور بأربعة نواب من الطائفة الشيعية.
وبغياب مرجعية سياسية سنية في قضاء صور، لعبت دار الفتوى، إضافة إلى دورها الديني، دوراً أساسياً على الصعيد الاجتماعي وحتى السياسي، بحيث أصبح لها إسهام كبير في حل المشكلات والنزاعات في خضم الانقسامات التي عاشتها البلاد، وتأليف القلوب وتقريب وجهات النظر. أما في الجانب الاجتماعي، فتساهم الدار من خلال الاستعانة ببعض الجهات المانحة في تقديم مساعدات اجتماعية بصورة دورية للعائلات الأكثر فقراً في المنطقة، وإحالتها على مؤسسات أخرى.
أمام هذا الواقع، يعترف الحبال بأن “الوضع الاقتصادي يشكل التحدي الأهم، فصندوق دار الفتوى فارغ، واعتماده الأساسي على إيجارات الأوقاف التي في معظمها إما إيجارات قديمة أو إيجارات زهيدة، ما يمنعنا من القيام بواجباتنا كما يجب.”
ولا بد من الاشارة إلى أن أوقاف صور هي أفقر الأوقاف في لبنان، وعقاراتها قليلة جداً وهي عبارة عن محال تجارية، ومبنى الأوقاف الذي يضم بعض المكاتب والشقق الصغيرة، وإن وجد بعض الأراضي، فاستثماره شديد الصعوبة بسبب قربه من الحدود مع فلسطين المحتلة، والأوضاع المتوترة على الحدود.
وهنا يؤكد الحبال ضرورة تطوير قانون الايجارات في ما يتعلق بالأوقاف، قائلاً: “إذا كانت الدولة تتريث في إصدار قانون الإيجارات، فهذا لا يجوز بخصوص الأوقاف. فنحن لدينا أزمة وبحاجة إلى تحرير العقارات الوقفية لتلبي غاية الواقف بخدمة المساجد ومن يقوم عليها، وكي لا تتحول إلى استغلال من المستأجرين وعائلاتهم عبر توريث الخلو.”
تمثل دار الفتوى الرؤية الاسلامية، والمسلمون دائماً انطلاقاً من مبادئ دينهم الحنيف يدعون إلى تأليف القلوب ووحدة الصفوف في خدمة المجتمع الإنساني لتحقيق مصالحه المشروعة. وهذا ما يقوم به مفتي الجمهورية الذي يحرص على التواصل مع مختلف الجهات، ويستقبل الجميع ويبقى على مسافة واحدة من الجميع للعمل على درء الفتن وتوحيد الصف. وكل مفتٍ في منطقته يقوم بهذا.
يشدد الحبال على “عدم وجود قوى سياسية تجمع الطائفة السنية على صعيد البلد بغياب تيار المستقبل عن العمل السياسي، والذي لا يزال الأكثر شعبية بين السنة في لبنان. والرئيس سعد الحريري أعلن وإدارة تيار المستقبل الأسباب التي أدت إلى تعليقهم العمل السياسي، ولكن لا شك في أن البلد يستحق التضحية، واللبنانيون السنة أوفياء للرئيس الشهيد رفيق الحريري ولمن حمل لواء مشروعه”، مشيراً إلى أن “الطائفة السنية تقوم بدورها باعتبارها مكوناً أساسياً في هذا البلد، إلا أن وجود مرجعية سياسية سنية جامعة منخرطة في العمل السياسي يلعب دوراً إيجابياً كبيراً في تحسين أوضاع البلاد.”

مستقبل لبنان والطائفة السنية

منذ اندلاع المواجهات المسلحة مع العدو الإسرائيلي في 8 تشرين الأول 2023، في ما سُمي بـ “حرب المشاغلة والإسناد”، تعيش منطقة الجنوب عموماً وقرى المواجهة خصوصاً الممتدة بجانب الشريط الحدودي مع فلسطين المحتلة، وهي بلدات البستان، يارين، مروحين، الظهيرة، الزلوطية، أم التوت، شبريحا، وغيرها من القرى، حالة حرب حقيقية، فقد هُجّر أهلها ودمرت منازلها.
الوضع في القرى الحدودية صعب جداً والأزمة كبيرة ولا شيء يغني عن العودة، يقول الحبال لموقع “لبنان الكبير”، مضيفاً: “لقد هُجّرت العائلات التي كانت تعتمد على الأرض كمصدر رزق، ما انعكس بصورة سلبية عليها. الدولة لا تقصر في تقديماتها، ولكن هذه هي قدراتها الضئيلة. وبعض الجهات الدولية يحاول تأمين بعض الاحتياجات الغذائية أو الصحية والحياتية، ولكن كل هذا لا يغني عن عودة الهدوء والاستقرار والرجوع إلى بيوتهم وأرضهم.”
ويرى أن “التوترات تؤثر على البلد عموماً وليس على الطائفة السنية فقط، لأن البلد غارق في أزمة اقتصادية كبيرة، والخروج منها يقتضي وضع خطة للمعالجة. وطالما هناك انقسام سياسي، والمؤسسات الدستورية معطلة ولم تقم بدورها، يستحيل وضع خطة إنقاذية. هذا الانقسام السياسي يمنع وضع خطة إنقاذية، وهناك مسؤولية كبيرة على القوى السياسية جميعها الموجودة في البلد.”
ويختم مفتي صور حديثه لموقع “لبنان الكبير” عن لبنان ما بعد الطوفان، بقوله: “لا أظن أن لبنان قادم على حرب أوسع مما هو فيه الآن، فإسرائيل لا تستطيع أن تخوض حرباً أكبر من الحرب التي تخوضها إلا بدعم قوي جداً من المعسكر الأوروبي الأميركي. وهذا المعسكر ليست لديه مصلحة لأنه منشغل بأزمات في مناطق أخرى.”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى