مي زيادة تعود إِلى عينطورة
وطنية – في سياق الأَنشطة التي ينظِّمها صالون “فيلوكليَّا” الأَدبي، استقْبَلَ الكاتبةَ الدكتورة كارمن بستاني مناقشًا كتابها الفرنسي الجديد “مي زيادة – شغَف الكتابة” الصادر حديثًا في باريس.
افتتحَت اللقاءَ رئيسةُ جمعية ومعهد “فيلوكاليَّا” الأُخت مارانا سعد بكلمة ترحيب جاء فيها: “نستقبل اليوم كاتبةً استثنائية تبسط كتاباتها وأَبحاثها حضورًا ساطعًا على المشهد الأَدبي الفرنكوفوني. وعملُها المعمَّق الملتزم الجديد يضيْءُ على وجه بارز من تراثنا الثقافي: الكاتبة مي زيادة التي ليست أَديبةً وحسْب، بل هي صوتٌ نجح في تحدِّي الموروثات التقليدية وصدَح بالفكر الحر الجريْء. وكان من التزامها الثقافي النسوي وبحثها عن المطلق ومراسلاتها مع كبار أَعلام عصرها، أَن جعلت منها فكرًا مضيئًا في عصرها. وكارمن بستاني في كتابها الجديد نجحَت في إِبراز فضاء تلك المرأَة الاستثنائية التي تخبَّطت حياتها بين مقاومة روحها القوية وصراعها مع محيطها وتوقها إِلى المثالي في الجمال والحقيقة”.
وختمَت بذكْرها أَنَّ “ميّ زيادة عاشت ثلاث سنوات (1900 إِلى 1903) في هذا الدير (“دير الزيارة” في عينطورة كسروان) فكانت لها تلك السنوات مصدر إِيحاء أَساسيًّا. وما زالت كتاباتها الرهيفة والعميقة في آن، غذاء ثمينًا لأَجيالنا حتى اليوم” ، بعدها كانت وصلة موسيقية من مدير “دار العُود” لدى “فيلوكاليَّا” المؤَلِّف الموسيقي شربل روحانا في تنويعات وارتجالات عذبة على آلة العود، أَعاد بها الحاضرين إلى أَجواء عزف مي زيادة على العود في صالونها الأَدبي.
ثم اعتلت المنبر الكاتبة زينة صالح كيالي وأَخذت تحاور الدكتورة كارمن بستاني حول كتابها ومسيرة تأْليفه، طارحة عليها مسائل عن حياة مي زيادة في “دير الزيارة”، وريادة مي في صالونها الأَدبي، وكتاباتها الجريئة في عصرها، ومسيرتها في مسأَلة تحرير المرأَة، ثم مشكلتها التي أَدت بها إِلى حالة نفسية كئيبة. وأَجابت كارمن بستاني عن الأسئلة متوقِّفة عند سنوات مي زيادة الثلاث في عينطورة، ومواقفها من راهبات الزيارة، وشعورها بالوحدة بينهن، وبدايات كتابتها بالفرنسية في الدير ثم إِصدارها لاحقًا في مجموعة “أَزهار حلم” بتوقيع مستعار “إيزيس كوبيا”. وتطرَّقت كذلك إِلى كتاباتها بالعربية بدءًا من جريدة والدها الياس زيادة “المحروسة”، وتَوَزُّعًا على “المقتطف” والأَهرام” و”الزهور” وسواها.
أَما عن علاقتها بجبران فروَت كيف ابتدأَت مع قراءة مي نصَّ جبران في احتفال تكريم خليل مطران، وكيف بدأَت بالمراسلة معه أَدبية أَولًا، ثم تطوَّرَت إِلى رومانسية عاطفية ولو عن بُعد. وعن صالونها الأَدبي تحدَّثت بستاني عن جرأَتها في إِنشائه وسْط مجتمع ذكوري استقطب كبار أَعلام عصرها: اسماعيل صبري، ولي الدين يكن، أَحمد لطفي السيد، رشيد رضا، يعقوب صروف، شلبي الشميل، سلَّامة موسى، أَحمد شوقي، خليل مطران، إِبراهيم المازني، عباس محمود العقاد، أَنطون الجميل، مصطفى صادق الرافعي، طه حسين، داود بركات، زكي مبارك وسواهم، وكانت تعزف لهم على العود والبيانو، ما جعل معظمهم يقع في هواها، وأبرزهم عباس محمود العقَّاد.
وذكرَت بستاني كيف كانت مي، إِلى العربية، تُتقن خمس لغات (الفرنسية والأَلمانية والإِسبانية والإِيطالية والإِنكليزية) ما أَتاح لها أَن تترجم روائع من آداب تلك اللغات، إِلى جانب مؤَلَّفاتها القصصية والروائية والأَدبية التي تتَّخذ اليوم حيِّزًا كبيرًا من الأَدب العربي المعاصر.
وتوقَّفت بالتفصيل عند قضيتها العائلية وارتباط ابن عمها جوزف زيادة بمحاولة السيطرة على ممتلكاتها، حتى آل بها الأَمر إِلى سجنها في مصح الأَمراض العقلية (“العصفورية” في لبنان)، وبقائها فيه فترةً أَثَّرت على نضارتها وصباها، وتدَخُّل أَمين الريحاني لمساعدتها، حتى إِذا خرجَت أَلقت محاضرة مهمَّة في الجامعة الأَميركية (ببروت) أَذهلَت مستمعيها لإِبداعها وحضورها الآسر ما جعل الحضور يستغرب كيف كانت متهمة بالجنون. ثم غادرت بعدها إِلى القاهرة وتوفيت لاحقًا منزوية مقهورة سنة 1941.
في نهاية الحوار كانت أَسئلة من الجمهور، تلاها نخْب المناسبة وتوقيع الكاتبة على نسخ كتابها الجديد.
وختامًا أَعلن مدير صالون “فيلوكاليَّا” الأَدبي الشاعر هنري زغيب عن اللقاء التالي وهو مع الكاتبة زينة صالح كيالي حول كتابها الفرنسي “المؤَلِّفات الموسيقيات في لبنان” مساءَ الخميس 20 شباط الجاري، تليه في الأَشهر اللاحقة لقاءات حول كتاب “هي والنبي” لسليم بدوي، ثم تَواليًا حول الأُدباء فؤاد سليمان وإِملي نصرالله وميخائيل نعيمه.