ترامب الجديد” في تعامله مع ايران ونتنياهو ولبنان والمملكة

في كتابه”نخبة السياسة الخارجية الاميركية وانحدارالتفوق الاميركي” يكشف استاذ الشؤون الدولية في جامعة هارفرد ستيفن وايت عن تاريخ الهيمنة الليبرالية وأدلجة نشر الديموقراطية ومفهوم السوق الحرة ويستنتج بأن المقاربة الأميركية تقع بعد “مسألة غزة” تحت سهام النقد بسبب الأداء المروع في إدارة الحرب وكميات الأسلحة الفتاكة لها والتعنت في وصول المساعدات الانسانية.
وفي قراءة لشخص الرئيس دونالد ترامب يجزم وايت بأنه في إدارته الثانية للولايات المتحدة الأميركية ستكون السيطرة عليه أكثر صعوبة. وهذا الاستنتاج لوايت هو ما يفسر العودة الخائبة لنتنياهو من واشنطن بعد لقائه الأخير مع الرئيس ترامب. ذلك أن رئيس الوزراء الإسرائيلي كان يريد استدراج ترامب إلى حرب تشاركية ضد ايران. ففوجئ بأن الرئيس الأميركي يمضي بالدبلوماسية لحل المشاكل مع ايران بالحوار. كما أنه نصح نتنياهو بمعالجة مشاكله مع تركيا في سوريا بالحوار وبوساطة أميركية. وفي المعلومات أن ترامب يأخذ في الاعتبار مفهوم جديد لجيل الشباب الأميركي بما فيهم اليهود الأميركيون الذين لا يرون في سياسات نتنياهو واليمين الديني اليهودي نموذج إلهام بقدر ما هو خيانة كبيرة للقيم الأميركية والإنسانية.
أكثر من ذلك يريد ترامب “سياسة تشاركية” مع المملكة العربية السعودية على قاعدة “السياسات الابراهيمية” التي تنتهي إلى رسم حدود لدولة اسرائيل في سياق التصور الأميركي لا في سياق تصور اليمين الديني اليهودي الاسرائيلي. والسياق الأميركي هذا يأخذ في الحساب رؤية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للحق الفلسطيني وتطبيع العلاقات مع اسرائيل كنتيجة له.
التوجه الأميركي إلى معالجة الملف النووي الايراني وقضايا الخلاف الأخرى يحول الرئيس دونالد ترامب إلى حكم في الشرق الأوسط وهذا ما لا يناسب نتنياهو واليمين الديني اليهودي اللذين يريدانه شريكا في حرب شبه عالمية تكون دائرتها الاقليم الاوسطي بنتائج قد تتيح التوسع الجغرافي الاسرائيلي في سوريا ولبنان وتتيح سياسات الإبعاد القسري للفلسطينيين من غزة والضفة الغربية إلى دول الجوار. والواضح أن ترامب يغلب المصالح الأميركية على أي أمر آخر بما فيه الأمر الاسرائيلي.
والملفت للنظر أن ترامب الذي أعطى حيزا مهما للمصالح الأميركية في التعاطي مع ايران يرتقب إعطاء دور ملموس للتيار الإصلاحي في ايران. وهذا أحد وجوه الخلاف بينه وبين نتنياهو الذي كان يريد المضي بمغامرة عسكرية أميركية اسرائيلية لا يستفيد منها سوى اليمين الديني اليهودي المتطرف. أما تداعيات التوجه الديبلوماسي الاميركي نحو ايران اسرائيليا فستكون مزيدا من الوحشية الاسرائيلية في غزة والضفة ولكن المزيد من الانقسام الاسرائيلي وعزلة اضافية لنتنياهو واليمين الديني بحكم توسع التعاطف الاسرائيلي مع الأسرى الرهائن في غزة ما لم تتغير السياسة الرسمية الاسرائيلية.
واضح أن ايران لا مشكلة لديها في الحوار حول الملف النووي. فالقنبلة النووية هي “حرام” في المعطى الديني وفي خطاب المرجع الأعلى خامنئي. ولا يبررها سوى المضي إلى الحرب. وأما الملفات الأخرى فايران تتعاطى معها بمرونة وبراغماتية تحمي المصالح الايرانية كما أنها لا تستبعد “سياسة الصفقات” مع الرئيس ترامب ذي النزعة التجارية. وكل ذلك له “نتائج ايجابية” على لبنان إذ يتعزز مفهوم الشراكة الأميركية بمعنى مختلف عما كانت تسوقه نائبة المبعوث الاميركي أورتاغوس بضغوط. فلبنان يريد هذه الشراكة الاميركية – اللبنانية ضمن السياق الذي يؤدي إلى وقف النار ووقف التوسع الجغرافي الاسرائيلي والإنسحاب من “النقاط الخمس المحتلة”.
أيا يكن الأمر الحوار الأميركي – الايراني يبشر بالخير. والملفات على اختلافها تبحث عن مخارج ليست مستحيلة استنادا إلى الحكمة الايرانية وإلى البراغماتية الاميركية مع دونالد ترامب مختلف.
عبد الهادي محفوظ