هل يمكن تحقيق الديمقراطية دون مشاركة فعليّة كاملة ونشطة للمرأة في الحياة العامة كناخبة وقائدة مدنية وسياسية ومرشحة في الانتخابات ؟
تمثل المرأة نصف المجتمع لكن موروث الثقافات البشرية لا تعي حتى يومنا هذا حقيقة دور المرأة ، ولا تمنحها حقوقها العادلة مقارنة بنصف المجتمع الآخر مما يحدّ من مشاركة المرأة في الحياة العامة ومنتوجها الحضاري.
نساء عديدات دخلن التاريخ بوصفهن أول من اقتحم بوابة السياسة وتبوأن مناصب سياسية عليا في صراع صارخ وتحدّ كبير ليس فقط مع عقلية المجتمع التي ما زالت ترفض أن ترى الأنثى إلا في إطار نمطي معين، ولكن مع السلطة السياسية التي ترفض الاعتراف بحقوقهن الطبيعية،
في تاريخنا المعاصر نذكر “مارجريت تاتشر” المرأة الحديدية التي قادت بريطانيا من جديد إلى منصة الدول العظمى المؤثرة في رسم سياسات العالم والتي نَصِفُ حياحتها بأنها قصة نجاح غير عادية حيث تحدّت الظروف الصعبة والتقاليد الموغلة في القدم ،في ظروف لم يكن وصول امرأة إلى منصب رئيس الوزراء في بريطانيا بالقضية العادية ،في بلد تحكمه التقاليد العريقة والبرتوكولات الموغلة والدبلوماسية الذكية التي وضع أسسها قادة كبار أثروا في عصرهم تأثيراً كبيراً. فترشح امرأة للتقلد منصباً سياسياً كان تحدياً ووصولها لذلك المنصب كان التحدي الأكبر الذي قادته تاتشر لتصبح أقوى سيدة في العالم حيث لعبت دوراً مؤثراً أثر كثيراً على فكرة المرأة والسياسة في العالم وأثبت خطأ فكرة عدم نجاح المرأة في السياسة بحكم أنها لعبة الرجال أولًا وبحكم أن المرأة لا تحكم عقلها بل عاطفتها ثانيا. في ذلك أثبتت تاتشر بأنها أقوى رجل في الحكومة البريطانية التي ترأستها.
كما نذكر “هيلاري كلينتون “السياسية الأمريكية المحنّكة فهي اول امرأة تخوض الانتخابات الرئاسة الأمريكية والتي استطاعت رغم المعوقات تولّي منصب وزير الخارجية الأمريكي السابع والستين، وذلك في عهد الرئيس باراك أوباما . وخلال هذه الفترة تصدت للحرب الأهلية في كل من سوريا وليبيا والبرنامج النووي الإيراني ونفوذ الصين المتنامي وإصرار روسيا على تأكيد دورها وإنهاء حرب العراق والحرب في أفغانستان بالإضافة إلى محاولة لم يكتب لها النجاح لتسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وعليه ، قصة النساء والسياسة في العالم قصة بها الكثير من العبر والكثير من الدروس التي يعجز كتاب التاريخ احيانا عن التكهن بطبيعة تطورها ونوعية النتائج التي تنتج عنها، ولكن شيء واحد مؤكد ومعروف ولا غبار عليه الا وهو حق الأنثى في التأثير على القرار الحياتي العام في مجمله بما فيه السياسة.
وبالعودة الى مشاركة المرأة في الحياة السياسية في الدول العربية تتفاوت نسبة مشاركتها من دولة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر حسب منظومة القوانين والقيم والأفكار التي تحكم هذا المجتمع.
نشهد اليوم زيادة واضحة في وتيرة دعوات تمكين المرأة وإفساح المجال أمام مشاركتها في الحياة العامة كفاعل أساس.
فالمرأة في مجتمعات الخليج عموما وفي الإمارات بصورة خاصة تحدت الكثير من الصعاب لتصل الي ما وصلت اليه اليوم ، ففي الإمارات وقفت الدولة إلى جانب المرأة وأمدتها بالكثير من الأدوات التي سهلت عبورها بوابة السياسة لتصبح وفي فترة زمنية بسيطة تحتل مواقع سياسية متقدمة وأخرى متميزة في مجال اتخاذ القرار العام . ولكن ، وعلى الرغم من هذه الدعوات تواجه المرأة العربية اليوم عقبات عدة خاصّةً في لبنان أهمها، قبول المجتمع نفسه باضطلاع المرأة بدور قيادي، كذلك انفتاح الأحزاب السياسية على مشاركة المرأة في كوادرها. ولعل تخصيص عدد من مقاعد البرلمان للنساء، النظام المعروف باسم “الكوتا”، والذي تبنته دول عربية لإجبار أحزابها على الدفع بمرشحات ضمن قوائمها، يعد في نظر البعض خطوة جيدة لتعزيز دور ومشاركة المرأة في العمل السياسي.
فمشاركة المرأة في الحياة السياسية ذات وجهين: يكمن الوجه الأول في الترشح في الانتخابات، حيث تقرر خوض معترك الحياة السياسية بنفسها، والعمل من داخل المطبخ السياسي. أما الوجه الثاني فيتمثل في الانتخاب، حيث تُقرر أن يكون لها صوت ودور في تحديد من يمثلها حتى يدافع عن حقوقها ويعبر عن مشكلاتها واهتماماتها.
اخيراً اقول أن نجاح المرأة هو نجاح للمجتمع ككل ، لأن التنمية المستدامة تنتج عن تمكين الجنسين لأخذ مكانهما اللائق بهما. ومن دون هذا التمكين لن يكون هناك تنمية مستدامة، وانّ الديمقراطية الحقيقية لا تتحقق الاّ من خلال مشاركة المواطنين على السواء دون تمييز بين الجنسين في عمليات التخطيط وصناعة القرارات وتقديم الخدمات العامة والمراقبة والتقييم بهدف تحقيق الأهداف الإنمائية لوطنهم .