بقلم : رفعت البدوي *معادلة “ف ـ ا ـ س”بديلاً للسين سين* ……
#رفعت_ابراهيم_البدوي
بيروت في 2022/04/23
نقلا” عن : موقع 180
مقدمه :
أبعد من إنتخابات نيابية، ما زال موعدها رجراجاً حتى الآن، لم يعد لبنان بصيغته السياسية الدستورية الحالية قادراً على اجتراح الحلول من داخله. ليصبح السؤال من هي العواصم الدولية والإقليمية التي ستفرض على اللبنانيين التسوية التاريخية الجديدة؟
بعد الصيغة السياسية التي فرضها الانتداب الفرنسي 1943، جاء اتفاق الطائف 1990 برعاية اميركية وبضمانة سعودية سورية، إلا أنه مع مغادرة الجيش السوري في العام 2005، إختل الاتفاق ومعه التوازن الوطني، فبقي معتلاً حتى وصلنا الى اتفاق الدوحة 2008 برعاية فرنسية (أميركية ضمناً) ـ قطرية.
هذا اللبنان بات بحاجة ماسة اليوم لرعاية دولية اقليمية تفضي إلى انتاج معادلة أو صيغة جديدة، تتناسب وحجم المتغيرات الحاصلة في موازين القوى في لبنان، ولا سيما في ضوء عجز أهل الداخل عن إدارة توازناتهم وأولوياتهم.
لقد نجح رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون، في جمع الافرقاء اللبنانيين حول طاولة واحدة في قصر الصنوبر عقب انفجار بيروت الكارثي في الرابع من آب/أغسطس 2020، لكنه فشل في فرض معادلة جديدة، يطمئن إليها الفرقاء الذين تحلقوا حول طاولة كان الفرنسي وحيداً في تحديد جدول أعمالها، برغم التفويض الاميركي له، لكن بغياب الضامن الإقليمي وتحديداً السعودي والإيراني نظراً للنفوذ المؤثر لكليهما في لبنان.
الاجتماعات السعودية الفرنسية في باريس في الأسابيع الأخيرة أفضت إلى تليين موقف الرياض المتعنت تجاه لبنان ولو من باب المساعدات الانسانية، وأدت إلى اقناع السعودية ودول الخليج بضرورة عودة السفراء إلى بيروت، وذلك لتثبيت الدور السعودي الضامن لأي معادلة قد تولد في مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية والرئاسية.
لقد وضع البعض عودة سفراء دول الخليج الى لبنان، في اطار الدعم الانتخابي الضيق، والبعض الاخر وضعها في اطار تنفيذ مندرجات الوساطة الكويتية، وثمة من رأى أنها جاءت نتيجة استجابة لبنان للمطالب الخليجية، لكن من يُدقق يرى ان اجابات لبنان لم تكن محددة بل انها كانت مموهة وضبابية، وبالتالي لم يتغير شيء جذرياً في الواقع اللبناني.
بهذا المعنى، تبدو عودة سفراء دول الخليج، نتاج حراك اقليمي دولي جديد، ففي فرنسا يجري الاعداد لعقد مؤتمر لاجل التوصل الى اتفاق لبناني جديد، اقل من اتفاق الطائف واكبر من اتفاق الدوحة، يلحظ ادخال تعديلات على اتفاق الطائف، فرضتها موازين القوى في لبنان لكن من دون المساس بجوهره، وهذه المرة بموافقة سعودية إيرانية وبرعاية دولية، وهذا الاتفاق المنتظر، يمكن وضعه في خانة معادلة “ف ا س”، اي فرنسا وايران والسعودية بديلاً عن معادلة “سين سين”.
من هنا يمكن تفسير كلام نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم حين قال، “نعم هناك تنسيق بين فرنسا وحزب الله” وان فرنسا معجبة بتجربة الحزب وان لا مشكلة بالتنسيق مع فرنسا طالما يحفظ ذلك مصالح الاطراف.
سبق عودة سفراء دول الخليج الى لبنان، اعلان اتفاق وقف لاطلاق النار في اليمن وهدنة سارية بين السعودية والحوثيين، ولا شك ان ايران لعبت دوراً فاعلاً في انجاح هذا الاتفاق في ظل إنعقاد جولة التفاوض الخامسة بين السعودية وايران في العراق قبل يومين وبحضور رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي شخصياً.
وبرغم الغبار الذي يحيط بالانتخابات النيابية “إن حصلت”، وبرغم انزعاج السعودية واميركا من عدم توفر ضمانة حصول انصار الحياد ونزع سلاح حزب الله على اكثرية في المجلس النيابي، الا ان اولوية السعودية (بدعم أميركي) تبقى اعطاء سمير جعجع، دفعاً نيابياً يمكنه من تشكيل كتلة مسيحية وازنة في المجلس النيابي المقبل، لمناهضة “سيطرة حزب الله” واختيار رئيس جديد للجمهورية اللبنانية.
في الوقت نفسه، فُتحت ابواب الخليج امام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي (ولو بعنوان تأدية العمرة) وذلك من اجل تعديل ما يمكن تعديله في الميزان السني، فالرئيس ميقاتي تعهد باجراء اصلاحات وبتنفيذ متطلبات صندوق النقد الدولي ناهيك عن ملف ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة، وبهذا يمكن تفسير موقف ميقاتي بعدم الترشح للانتخابات وذلك لان إسمه بات يشكل ضمانة إقليمية ودولية في موقع الرئاسة الثالثة حتى ما بعد الانتخابات النيابية والرئاسية.
وليس خافياً أن فرنسا ماكرون المرجح فوزه بولاية رئاسية ثانية غداً الأحد هو الراعي الأساس لميقاتي ومن المرجح اجراء تعديلات في خلية الازمة اللبنانية التابعة للاليزيه، وذلك بما يتناسب مع انجاح مؤتمر “ف ا س” الفرنسي، المزمع انعقاده في فرنسا بعد الانتخابات، وذلك تأكيداً على نظرية التنسيق مع الاقوياء في لبنان، اي حزب الله الذي باتت لقاءاته دورية مع الفرنسيين في العاصمة اللبنانية.
هذا المسار لا ينفي ان عوامل تطيير الانتخابات ما زالت قائمة (بالدولار والإنفجار الإجتماعي)، وعوامل تعطيل انعقاد مؤتمر “ف ا س” الفرنسي ايضاً قائمة، وهذا ما يفسر كلام السيد حسن نصرالله الأخير حين قال ان الانتخابات النيابية حاصلة في موعدها، واي تعطيل للعملية الانتخابية لن يكون الا من انتاج وصناعة السفارة الاميركية في عوكر.
من الواضح أن حزب الله “صاحب الجسم اللبيس”، يتعاطى بواقعية مفرطة مع الملفات الداخلية وخير دليل إدارته ملف الإنتخابات النيابية بنبرة غير إستفزازية في محاولة لمراعاة الجمهور السني المحبط سواء بفعل قرار رئيس تيار المستقبل سعد الحريري بتعليق عمله السياسي أو بسبب الأزمة الإقتصادية الإجتماعية التي ترمي بثقلها على جميع اللبنانيين من دون إستثناء.
ولذلك تعمّد حزب الله عدم اشراك شخصيات سنية وازنه على لوائحه في بيروت والبقاع والجنوب، حرصاً منه على عدم استفزاز جمهور تيار المستقبل، وكي لا يفسر موقفه بالانقضاض على الحريرية السياسية، وفي موقفه هذا بدا وكأن الحزب يرسل رسالة لمن يعنيهم الامر، بانه يفضل التعامل مع الاكثر تمثيلاً وحضوراً على الساحة السنية، اي مع الرئيس سعد الحريري وتياره السياسي، سواء شارك في الإنتخابات أم لم يشارك، وهذا هو لسان حال كثيرين من بينهم الوزير السابق سليمان فرنجية الذي صارح المسؤولين الروس بذلك خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو بالوجهة نفسها.