وضع المصارف في لبنان …
في نهاية السنة، يفترض أن تنتهي المهلة الممنوحة للمصارف لتعيد رسملة نفسها وملاءتها، وفقاً لتعاميم مصرف لبنان التي طلبت زيادة رساميلها بنسبة 20% بحلول هذا الموعد، وبتكوين سيولة جاهزة في حساباتها لدى المصارف المراسلة في الخارج بنسبة 3% من ودائعها. أمّا المصارف المخالفة، فيفترض أن تُحال إلى عمليّات الدمج والاستحواذ مع مصارف أخرى، أو إلى الهيئة المصرفية العليا، ليُتّخذ القرار بتصفيتها أو يستحوذ عليها مصرف لبنان وفقاً لقانون النقد والتسليف.
تفيد مصادر مصرفيّة مطلعة إلى أن خيار لجوء المصارف إلى عمليّات الدمج والاستحواذ الطوعي مستبعد إلى حدّ كبير. فالمصارف التي ستتمكّن من تأمين هذه الزيادة في الرساميل والسيولة بشق النفس، لن تملك المصلحة حكماً بتضخيم ميزانيّاتها عبر الاستحواذ على مصارف متعثّرة تملك التزامات كبيرة للمودعين، دون أن تملك في المقابل النسبة المطلوبة من الزيادة في الرساميل أو السيولة “الفريش” في المصارف المراسلة. ولذلك، فإن السيناريو المتوقّع في حالة المصارف المخالفة للتعميم هو أن يضع مصرف لبنان يده عليها بشكل مباشر، تمهيداً لتصفيتها ونقل أصولها وموجوداتها بشكل منظّم. وفي هذه الحالة، من المتوقّع ألا يتغيّر شيء في وضعيّة عملاء ومودعي النظام المصرفي، باستثناء نقل ودائع المصارف المتعثّرة إلى مصارف أخرى في مرحلة التصفية لاحقاً.
حتّى اللحظة تحيط المصارف عمليّة إعادة الرسملة بقدر كبير من الغموض والتكتّم، ربّما بهدف عدم إثارة البلبة في أوساط المودعين على مشارف انتهاء المهلة الممنوحة لها لإنجاز العمليّة. لكنّ الأكيد حتّى اللحظة وفقاً لمصادر مصرفيّة عدّة هو اتجاه غالبيّة المصارف إلى طلب تمديد المهلة في نهاية الموعد المحدّد، نظراً لصعوبة إقناع المساهمين فيها بتقديم هذا الحجم من الزيادة في الرساميل قبل اتضاح المشهد على مستوى خطّة الحكومة الماليّة، وتحديداً من ناحية حجم الخسائر المتوقّع تحميلها للنظام المالي في المرحلة المقبلة. علماً أن معظم المصارف تخلّفت في بداية تشرين الثاني عن استحقاق أساسي في هذا المسار، لأنّها لم تبادر إلى وضع الدراسات المطلوبة منها لشرح كيفيّة تجاوبها مع متطلبات إعادة الرسملة.
وبمعزل عن التعثّر المتوقّع لغالبيّة المصارف من حيث العدد في هذا المسار، يمكن القول إنّ بعض المصارف التي تمثّل الغالبيّة الساحقة من الودائع والموجودات في القطاع تمكّنت بالفعل من رسم خطط حول كيفية الامتثال لمتطلبات إعادة الرسملة. هذه المصارف هي أوّلاً تلك التي تملك – أو تملك مجموعتها – استثمارات خارجيّة وازنة، على شكل مصارف شقيقة أو أسهم في مصارف أجنبيّة. ومن المتوقّع أن تتمكّن هذه المصارف من توفير كمية سيولة طازجة من خلال بيع هذه الموجودات، وهو ما سيسمح لها بتحقيق نسبة من الزيادة المطلوبة سواء في الموجودات الخارجيّة لدى المصارف المراسلة أو في الرساميل نفسها إنّما ليس في الموعد الذي حدّده البنك المركزي. ومن المعلوم أن كبرى المصارف اللبنانيّة، من بينها بنك عودة وبلوم مثلاً، تخوض منذ فترة مفاوضات لبيع بعض أصولها في مصر والعراق والأردن وغيرها، بهدف تأمين هذه السيولة.
تقارير جمعيّة المصارف تشير إلى أنّ مصارف مجموعة ألفا، التي تضم أكبر 16 مصرفاً تستحوذ على 90% من الأصول المصرفيّة، تملك بالفعل نسبة وازنة من موجوداتها على شكل استثمارات في الخارج. فهذه الاستثمارات تمثّل اليوم 15.8% من موجودات هذه المصارف، كما تمثّل 14% من إجمالي ودائعها و26% من إجمالي تسليفاتها. بمعنى آخر، المصارف التي تملك القدرة على الامتثال لمتطلبات إعادة الرسملة تمثّل بالفعل النسبة الأكبر من موجودات وودائع القطاع، وإن كانت من حيث العدد تمثّل أقليّة بين المصارف اللبنانيّة.
في كلّ الحالات، ثمّة شق آخر من شروط إعادة الرسملة يتمثّل في سماح مصرف لبنان للمصارف بتأمين جزء من زيادة الرساميل من خلال إعادة تقييم العقارات الموجودة لديها أو لدى شركاتها العقاريّة، أو من خلال السماح لمساهميها بتقديم عقارات معيّنة للمصارف. هذا الشرط تعرّض لانتقادات كبيرة في السابق لأنّه يتناقض مع فكرة إعادة الرسملة التي تتطلّب بشكل أساسي توفير سيولة جديدة. أما تقديم عقارات جديدة للمصارف أو إعادة تقييم العقارات المملوكة أساساً فهو إجراء لن يساهم في إعادة الملاءة الماليّة للمصارف. لكنّ هذا الشرط بالتحديد سيمكّن كبرى مصارف القطاع من تحقيق جزء من الزيادة المطلوبة في الرساميل بسهولة، لأنّها تملك في العادة شركات عقاريّة شقيقة كبيرة باسم مساهميها، تُستعمل لإدارة موجودات عقاريّة تستملكها المصارف، أو في بعض الأحيان موجودات عقارية تستعملها المصارف للقيام بعمليّاتها.
في كل الحالات، من الواضح أن مسار إعادة الرسملة سيعني، إذا أصرّ حاكم مصرف لبنان على استكماله حتّى النهاية، إجراء تصفية جماعيّة لعدد كبير من المصارف الصغيرة، خصوصاً تلك التي قامت طوال السنوات الماضية على فكرة الاحتفاظ بنسبة كبيرة من التوظيفات في أدوات الدين السيادي لدى مصرف لبنان والحكومة. لكنّ هذه التصفية لن يتأثّر بها الجزء الأكبر من المودعين، كونها ستبقى محصورة بمصارف تملك حصّة صغيرة في الأسواق. وهنا، ثمّة من ينتقد بعض شروط هذا المسار، كالشروط المتعلّقة بالموجودات العقاريّة، لأنّها أعطت أفضليّة غير مستحقّة لحيتان القطاع المصرفي، أي المصارف التي تستحوذ على النسبة الأكبر من الموجودات والأصول.
رئيسة التحرير : لينا قاروط