فن

وذكرنا وأنثانا” : دين وتحول جنسي تحت سماء الأردن ……

بعد “الحارة” الذي أحدث جدالاً في الأردن، تواصل السينما الأردنية صناعة المفاجآت من حيث لا نتوقّعها. فالمسابقة الدولية للدورة الحالية من مهرجان كليرمون فيران السينمائي (27 كانون الأول – 4 شباط)، شهدت عرض “وذكرنا وأنثانا” للمخرج الأردني أحمد اليسير. الفيلم البالغ طوله 11 دقيقة، يتعاطى مع موضوع يُعدّ من المحرمات في العالم العربي: التحوّل الجنسي. الفيلم يفتتح مع مَشاهد صلاة في فجر يوم حزين. الأم والأب (شفيقة الطل وكامل الباشا) مفجوعان لموت ابنهما المتحول جنسياً. المعلومات قليلة وشبه معدومة في هذا الشأن، نجهل ظروف الموت مثلاً، الا ان ما نراه على الشاشة يكفي لنفهم انه رحل من البلاد وعاد اليها جثّة. كانت الحكاية مرّت كغيرها لو ان الميت لم يخضع لعملية تغيير جنس، وهذا ما لا يمكن غفرانه دينياً واجتماعياً. أما المشكلة العملية هنا وفي هذه اللحظة فهي: من أين سيجد الوالدان شخصاً يحمل صفة شرعية يغسل الجثّة وفق شعائر الإسلام؟ يأتي الأهل بالأشخاص المخولين غسل الابن، الا انهم يرفضون القيام بالمهمة بعد علمهما بالتغيير الذي خضع له لتغيير جنسه.
الفيلم سلسلة من المتتاليات البصرية المشغولة بعناية. أحسن مدير التصوير كيف يمنح، من خلال كادرات مدروسة، الاحساس بالقلق والريبة، واضعاً ايانا في جو من الترقب والتشويق، لكن من دون ان يقتصر مشروعه على “الجمال من أجل الجمال”. الحس البصري عالٍ وصريح وواعٍ. الأجواء داكنة ولها تبرير وتأتي من داخل العلاقة بين الشخصيات الثلاث، الأب والأم المتوترين أشد أنواع التوتر والابن المتوفى الذي ينتظر على طاولة الموت حلاً لمعضلته. الفيلم يقول الكثير: هل الأحكام الدينية المبرمة تلاحق الإنسان الشرق الأوسطي إلى آخرته؟ الرد لا يستوجب الكثير من التفكير: نعم. هذا الإنسان لا يملك شيئاً، حتى جسده ليس ملكه، ومن المفترض ان يسلّمه كما تسلّمه، قبل الرحيل. لا يملك سلطة القرار على أي شيء، واذا خالف، فلدى المجتمع والدين وحراسهما ما يكفي من الوقاحة لاعادته كما كان قبل العملية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى