سياسة

في الذكرى المئوية للعلاقة التاريخية بين البطريركية المارونية والمملكة العربية السعودية الاستاذة جويس مارون تكتب …..

العلاقات اللبنانية-السعودية وتأثيرها على المشهد السياسي اللبناني الحالي ! وما هي مطالب الشارع المسيحي ؟

التاريخ اللبناني بكل أحداثه وحقباته هو الشاهد الأول والرئيسي على عمق العلاقات اللبنانية – السعودية ، علاقات طويلة وخاصّة، عائدة زمنياً الى ما قبل تأسيس لبنان ، علاقات ، تتجاوز التقاليد الدبلوماسية والمصالح المادية المتبادلة بين الدول الشقيقة أو حتى الصديقة. إنها حكاية توأمة روحية بين الرياض وبيروت، تنطلق من الأخوة بالدرجة الأولى قبل أن تكون علاقة تعاون وتنسيق ودعم ورعاية واهتمام من المملكة العربية السعودية بلبنان وشعبه, علاقات ترسّخت وتشعّبت، حتى صارت المملكة حاضرة بقوة في كلّ المحطات المصيرية التي مرّ ولا يزال يمرّ بها وطننا الحبيب لبنان حتى الساعة ، ومن ابرز هذه المحطّات كانت مرحلة إعادة الإعمار، مروراً باتفاق الطائف عام ١٩٨٩ الذي دخّل بنود أساسية منه على شكل تعديلات دستورية.
فتاريخيا ً ، امتدّت حلقات الدعم السعودي للشعب اللبناني، وذلك في أيام الحرب والسلم، كما في المحافل الدولية والعربية، حيث ساندت المملكة (ممثلةً بالملك عبد العزيز آل سعود) استقلال لبنان خاصةً وانّ الملك كان يؤمن بوحدة الشعوب العربية وحريتها واستقلالها . وعندما وقعت أزمة في تشرين الثاني من عام ١٩٤٣ ما بين الحكومة اللبنانية والانتداب الفرنسي طالبت المملكة آنذاك بإطلاق سراح رئيس الجمهورية بشارة الخوري ورئيس الحكومة رياض الصلح، والوزراء والنواب المعتقلين. ولما جرى اطلاق جامعة الدول العربية كانت المملكة حريصةً على مراعاة الخصوصية اللبنانية لاسيما طبيعة لبنان وتركيبته السكانية والطائفية والسياسية.
وفي عام ١٩٥٢ افتتح الرئيس كميل شمعون مرحلة التعاون الرسمي الوثيق بين الدولة اللبنانية والمملكة وذلك بعد زيارة الملك عبد العزيز آل سعود.

‎ومع بروز الدور الجديد للمملكة في السياسات العربية والإقليمية والدولية، وموقعها المحوري في الشرق الأوسط، اختلفت طبيعة العلاقات السعودية – اللبنانية باختلاف المراحل والظروف والتحديات

فما قبل عام ١٩٨٢ تركّزت جهود المملكة على وقف حرب السنتين (١٩٧٥-١٩٧٦) من خلال قمة الرياض عام ١٩٧٦ وبعدها مؤتمر بيت الدين عام ١٩٧٨ محاولةً احتواء الموقف المتفجّر آنذاك بين القوى المسيحية وبين سوريا في لبنان ،تليها قمة تونس عام ١٩٧٩ بهدف تنفيذ مقرّرات مؤتمر بيت الدين، والتي جاء فيها إعادة بناء الجيش اللبناني على أسس وطنية، وبسط سلطة الدولة على المنطقة الحدودية في جنوب لبنان إضافةً الى تحقيق المصالحة بين اللبنانيين.
‎امّا أزمة زحلة التي وقعت بين “القوات اللبنانية” بقيادة بشير الجميل، وبين القوات السورية في نيسان عام ١٩٨١ كانت امتحاناً جديداً للدبلوماسية السعودية آنذاك حيث وقفت المملكة وقتها مع الشرعية اللبنانية
وعقب الحروب محطة تاريخية للمملكة ، محطّة كتبت النهاية لمعاناة الشعب اللبناني من الحرب الأهلية، في رعاية واستضافة اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب آنذاك إلى غير رجعة .

واكثر ، استمرّت المملكة بالوقوف إلى جانب اللبنانيين دولةً وشعباً من أجل إعادة بناء الدولة ومؤسّساتها، كما استمرت عملية الدعم هذه على مدى سنوات إلى أن نجح لبنان في استعادة موقعه على الخريطة العربية بشكل خاص وعلى الخريطة العالمية بشكل عام بعد سنوات الحرب المدمّرة.

وعليه ، فالثوابت التي يتم التأكيد عليها في أكثر من محطة وإطلالة للملوك والقيادات في المملكة تجاه لبنان، هي التي شكّلت سياجاً حامياً للشعب اللبناني، خصوصاً في الحروب والاجتياحات الإسرائيلية، حيث كانت الرياض تقود كل جهود الإنماء والإعمار، وتعطي من دون أي تفرقة بين الطوائف والمناطق، ومن دون أي شروط مسبقة أو مطالب أو تدخّلات في السياسات المعتمدة، بل جلّ ما تنشده المملكة هو توافق اللبنانيين ومبادرتهم إلى تحسين ظروف حياتهم والنهوض من الأزمات، مع الابتعاد عن الصراعات والانحياز للبنان فقط، ومواصلة الدور اللبناني الرائد في كل المجالات في المنطقة.

فالمملكة كانت دائماً حاضرة في كل الاستحقاقات الوطنية والمصيرية التي واجهها لبنان وبقوة من أجل تلبية حاجة لبنان إلى سند قوي وشقيق أكبر وصديق جدير بالثقة، يلقي إليه اللبنانيون بكل تلاوينهم أعباءهم وهواجسهم وأزماتهم وحتى صراعاتهم .

وهنا نسأل ماذا عن اليوم؟

يشهد لبنان اليوم ازمة باتت تهدّد كيانه ومصيره وحياة أبنائه الكريمة على مختلف انتماءاتهم السياسية والطائفية.

اليوم، وقع لبنان ضحية أزمات تهدّد وجوده وكيانه،

اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، لبنان في امسّ
الحاجة إلى الصديق الذي اعتاد الاتكاء عليه للنهوض، والذي لم يسبق له أن خذله، على الرغم من الأخطاء المميتة التي ارتكبها البعض بحق المملكة، والتي لم تقابلها القيادة السعودية يوماً بالمثل.
اليوم ،لبنان منزلق في مستنقع من الخلافات والأزمات أدّت به إلى الانهيار الكبير مالياً واقتصادياً ومعيشياًّ، وتربوياً وصحيّاً وغيرها من الازمات .

اليوم ، دينامية شابة في الحكم لم تشهدها المملكة منذ أمد بعيد ، دينامية الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي الطامح والحالم بشرق اوسط جديد والذي لم يغيّر سياسة المملكة إزاء لبنان في الجوهر، انما في الاسلوب خاصة في السنوات الأخيرة نتيجةً للسياسات اللبنانية الخاطئة. والذي بدوره لم ولن يتخلّى عن علاقة المملكة بلبنان، ولا عن دعمه للبنان ، كما لن يتوقف عن مطالبة المسؤولين بالتوافق فيما بينهم، والإسراع في تأليف حكومة قادرة على قيادة عملية إنقاذ البلد من الهاوية التي انزلق إليها لمواجهة هذا الانهيار الخطير، علماً ان المملكة لم يعد بمقدورها التغافل عن الممارسات وحملات تجنّي لبعض القوى السياسية، والتي وقف بوجهها اللبنانيون داخلياً وخارجياً بشكل عفوي ولا عن عمليات التهريب .
وعليه، لبنان اليوم في أمس الحاجة للرعاية السعودية من أجل أن يستعيد سيادته وميثاق عيشه المشترك، ومن دون هذه الرعاية سيبقى للاسف ساحة نفوذ إقليمية وصراعات مفتوحة على السلطة .

وفي هذا السياق نسأل، ما هي مطالب المجتمع المسيحي اللبناني ؟

لطالما اعتبر المجتمع المسيحي في لبنان أن موقع لبنان الجغرافي نقمة حقيقية وكارثية على وطنه لوجود هذا البلد الصغير بين دولتين ، اسرائيل “العدوّة”وسوريا ،الدولة التي لم تعترف يومًا باستقلاله بل عملت سنين عدّة على مصادرة قراره، مماّ اضطر بالمسيحيين اللجوء الى الغرب خاصّةً الأمم المتحدة بهدف ضمان استقلالهم ولكن هذا المجتمع المسيحي كان مخطأً في رهانه على الغرب الذي لم يستطيع تقديم الضمانة لسيادة بلده، واليوم هو على يقين بأن الضمانة المطلوبة يقتضي ان تكون من دولة إقليمية كالمملكة العربية السعودية كونها معنية مباشرةً بقضايا المنطقة ، فالسعودية ، هي القادرة على ضمان الاستقلال اللبناني كونها لا تسعى لا من قريب ولا من بعيد الى أي نفوذ أو هيمنة على قرار لبنان السياسي، كما هي الضمان في تحييد لبنان عن صراعات المحاور الخارجية، ومنع أي تدخل خارجي في شؤونه من اية جهة كانت.

فالمجتمع المسيحي اللبناني عتبه على المملكة كبير ، خاصة وانه يعتبر سكوتها في الماضي ساهم في احتلال الدولة السورية للبنان لمدة ١٥ عامًا وهذا ما فتح الباب أمام ايران لبناء «حزب الله» عسكريًا وسياسيًا واجتماعيًا وغيره وتوسّعه هذا الاتساع الكبير ، واليوم هذا المجتمع يدفع اخطاء لم يكن مسؤولًا عنها ويتحمل نتائجها وحيداً . كما انّ هذا المجتمع يعتبر أن المملكة تساهلت كثيراً مع النظام السوري ومع كل محور الممانعة وصولاً إلى اللحظة التي قررت وضع «حزب الله» على لائحة المنظمات الإرهابية.
رغم هذا العتب الشديد لا يزال اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً يرون فيها خشبة خلاص هذا الوطن انطلاقًا من حرصها الدائم على الاستقرار في لبنان، والأهم دورها الاقليمي الذي لم يشكل يوماً تهديدًا للسيادة اللبنانية.

وعليه، السعودية مطالبة مسيحيًا بأن تكون الضمانة لاستعادة السيادة اللبنانية من المشروع الإيراني وغيره من المشاريع وأن تكون الضمانة لتحقيق الميثاق الوطني، ان تكون الضمانة في تامين عودة النازحين السوريين الى بلادهم واكثر ان تكون الضمانة بدعم حق عودة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان .

فهل تكون فعلاً خشبة الخلاص في الايام القادمة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى