سياسة

سفير الجمعية العالمية لحقوق الإنسان، الموّدة الدكتور جيلبير المجبِّرْ : ماذا بعد الإستحقاق الإنتخاب ….

ماذا بعد الإستحقاق الإنتخاب

أقْبَلَ شعبي في لبنان على صناديق الإقتراع لإختيار ممثليه في الندوة النيابية ، ومن أرض الغربة لاحظت كما غيري من اللبنانيين وحتى المراقبين المحليّن والعرب والدوليّن، أنّ الإستحقاق لم يحدثْ تغييرّا جذريًا في المشهد السياسي اللبناني على رغم النقمة الواسعة التي كنتُ أسمعها كل يوم بواسطة التواصل المباشر عبر الهاتف أو من خلال وسائل التواصل الإجتماعي ، وغالبًا ما كنتُ أسمع النقمة من المتصّلين وهي نقمة عارمة على طبقة سياسية يتهمونها أنها المسؤولة بالمباشر عن سوء الأوضاع العامة في البلاد والتي إنْ إستمرّت في السلطة سيؤدي الأمر إلى إنفجار على كافة المستويات .
إنّ ما لاحظته وبمعية بعض الذين راجعتهم رغم ضيق الوقت لكي أتفرّغ لكتابة هذه المقالة رجّحوا أنّ الطبقة السياسية وجدت في هذا الإستحقاق الإنتخابي فرصة ذهبية لإعادة إنتاج نفسها بإضافات طفيفة . ويعود الأمر إلى تجّذّرْ هذه السلطة بكل مفاصل الدولة بدءًا من القانون الإنتخابي المفصّل على قياسها وبسبب النظام السياسي القائم على المحاصصة والزبائنية وبسبب تحكّم أغلبية قادة الرأي الطائفيين بمقدرات البلاد ويُضاف إلى ذلك حالات الإحباط التي تضرب المجتمع اللبناني بأسره . وعلى ما أظن وبعد بحث مع مكتبي في بيروت وإستنادًا إلى النتائج الأوليّة التي وصلتني تباعًا كوّنت فكرة أنّ هناك خرقًا لبعض مرّشحي المعارضة وهذا الخرق يظهر بطريقة خجولة جدًا ولا يُعوّلْ عليه ، وهذا يعني عمليًا أنّ لا ثمّة تغيير سيحصل في المشهد السياسي اللبناني حاليًا بل ستبقى الأمور على ما هي عليه وستنحصر على ما أعتقد بين منظومة “ضربني وبضربك” ومعطوفة على منظومة سابقة “ما خلّونا ” … واللبناني في هاتين الحالتين يدفع الثمن غاليًا .
المؤسف وسندًا لإحصاء رسمي صادر عن مرجع يحتذى به أنّ أكثر من ثمانين بالمئة من اللبنانيين باتوا تحت خط الفقر ، ويُضاف إلى ذلك الأمر عجز النظام السياسي اللبناني عن توفير أبسط الخدمات التي تنص عليها المواثيق الدولية تجاه تقدمات الدولة للشعوب ومنها على سبيل المثال : الطبابة – التعليم ( مدارس /جامعات / وخصوصًا وضع الجامعة اللبنانية ) المحروقات الإتصالات والمواصلات وغيرها من مستلزمات الحياة ، لم تستطع السلطة تأمينها أو إتخاذ أي إجراءات ملموسة للتحفيف من معاناة الشعب المسكين ، والمؤسف أنّ الوضع اللبناني السيء يحصل بوتيرة سريعة ويتزامن مع غياب أي إصلاح بنيوي للحصول ربما على دعم دولي وفقًا للشروط التي يضعها البنك الدولي والتي تصل إلينا تباعًا والتي تبقى حبرًا على ورق لا بل وعودًا حكومية أشبة بالسراب .
كنتُ قد تأمّلتْ وعلقتُ بعض الآمال على ترجمة نقمة اللبنانيين وخصوصًا الذين يتواصلون معي ليل نهار ولا أخفي سرًا أنني خصصت جناحًا في مكتبي لمعالجة بعض الشكاوى التي تردني تباعًا وضمن إمكانياتي ، على أنْ تُترجم نقمتهم في صناديق الإقتراع لصالح لوائح معارضة تحمل برامج إنقاذية متنوعة سياسية أمنية إقتصادية مالية فكرية ودخول الندوة النيابية أشخاص أصحاب إختصاص أفرزتها الجامعات اللبنانية ومراكز الأبحاث وهذا الأمر للأسف لم يحصل والسبب الجوهري والمبدئي وفق ما وصل إليّ قلّة الخبرة وضعف القدرات وتعذُّر التوافق وحب الأنا والرياء ، وكل هذه الأمور صبّت ويا للأسف لصالح الأحزاب القائمة . وهذا أمر من الواجب معالجته إنْ رَغِبَ اللبنانيّون في تسوية أوضاعهم وإلاّ سيبقون في هذه الدوّامة التي من الممكن أن تتشعّب وبالتالي يصعُب معها إيجاد الحلول العملية .
هل يُعقل أنّ نسبة تفوق ال 56% من اللبنانيين تقاطع العمل السياسي بمختلف مندرجاته ، والبعض من هذه النسبة إمتنع عن الإقتراع مبرّرين قرارهم بعدم وجود مرشحين كفوئين وهذا أمر يتطلب معالجة جذرية . إضافة إلى هذا الأمر هناك موضوع شائك حاول بعض الأحزاب معالجته بطريقة إعتباطية ومنهم من حاول كسب عدد معين من المقاعد النيابية وهو موضوع “حزب الله” وهو حزب عسكري البُنية مموّل من الخارج يُصادر الدولة بكافة أجهزتها ، وهذا البعض يعتقد أنه بزيادة عدد النوّاب بإستطاعته لجم هذا الحزب ولكن بعد مراجعة مستفيضة لأغلبية مراكز الأبحاث تبيّن لي وبصورة منطقية أنّ هذا الأمر ليس الحل المطلوب وعليّ تذكير القيّمين على حزب القوات اللبنانية والذي أكن له كل إحترام ومن باب المونة : إنتبهوا يا شباب ولا تنسوا ما حصل في 7 أيّار ، وكيف عجز العالم بأسره عن معالجة موضوع تفلّته في شوارع بيروت ، هذا من ناحية ، ومن الأخرى مصداقيتكم على المحك لا تُعيدوا أسلوب من سبقوكم من السياسيين والذين إنتهوا منبوذين من الحياة السياسية اللبنانية .

إنني لا أنصح أحدًا ، ولست بصدد القيام بدور ” أبــو ملحـــم ” ولكن واجبي الوطني والإنساني واللبناني والعائلي يُملي عليّ توصيف الأمور كما هي . أتمنى ألاّ يتكرر الغباء السياسي من جديد وكل الأطراف معنيين ولن أوّفر أحدًا . تيّقنوا أنكم لن تكسبوا ثقة الشعب اللبناني إلاّ من خلال برامج سياسية إنمائية وعلى كافة الصُعد ولا تسكروا من “قدح صغير ” على ما يقوله المثل اللبناني . كونوا يقظين القصة ليست نزهة ومصير الشعوب ليست مزحة ، قد ضللتم الشعب بما فيه الكفاية آن الأوان لإتخاذ مواقف شجاعة رصينة تثُمر ثمرًا صالحًا ، وإلاّ ستسقطون جميعًا واحدًا تلوّ الآخر ، وآمل ألاّ تأخذوا كلامي هذا على محمل التهديد إنما من باب المحبة والوفاء والصدق في التعاطي مع الناس … لا تسقطوا في القشور لبنان أكبر من إستحقاق وأكبر من مصالحكم الخاصة ، إتقوا الله . …

سفير الجمعية العالمية لحقوق الإنسان، الموّدة الدكتور جيلبير المجبِّرْ

فرنسا في 16 أيّار 2022

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى